بشار بن برد

أبو معاذ بشار بن برد بن يرجوخ العقيلي بالولاء الضرير الشاعر المشهور؛ ذكر له أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ستة وعشرين جدا أسماؤهم أعجمية، أضربت عن ذكرها لطولها واستجامها وربما يقع فيها التصحيف والتحريف، فإنه لم يضبط شيئاً منها، فلا حاجة إلى الاطالة فيها بلا فائدة، وذكر من أحواله وأموره فصولا كثيرة.

وهو بصري قدم بغداد، وكان يلقب بالمرعث، وأصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة، ويقال: إن بشاراً ولد على الرق أيضا، وأعتقته امرأة عقيلية فنسب إليها، وكان أكمة ولد أعمى، جاحظ الحديقتين، قد تغشاهما لحم أحمر. وكان ضخماً عظيم الخلق والوجه مجدراً طويلاً، وهو في أول مرتبة المحدثين من الشعراء المجيدين فيه، فمن شعرهفي المشورة، وهو من أحسن شيء قيل في ذلك:

إذا بلغ الرأي المشورة فاستـعـن

 

بحزم نصيح أو نصـاحة حـازم

ولا تجعل الشورى عليك غضاضة

 

فريش الخوافي تابع لـلـقـوادم

وما خير كف أمسك الغل أختهـا

 

وما خير سيف لـم يؤيد بـقـائم

 

وله البيت السائر المشهور، وهو:

 

هل تعلمين وراء الحب منزلة

 

تدني إليك فإن الحب أقصاني

 

ومن شعره، وهو أغزل بيت قاله المولدون:

 

أنا والله أشتهي سحر عينـي

 

ك وأخشى مصارع العشاق

 

ومن شعره أيضاً:

 

ياقوم أذني لبعض الحي عاشـقة

 

والأذن تعشق قبل العين أحيانـا

قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم

 

الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

 

أخذ معنى البيت الأول لأب حفص عمر المعروف بابن الشحنة الموصلي من جملة قصيدة عدد أبياتها مائة وثلاثة عشر بيتاً يمدح بها السلطان صلاح الدين، رحمه الله تعالى، فقال:

 

وإني امرؤ أحببتكم لـمـكـارم

 

سمعت بها والأذن كالعين تعشق

 

وشعر بشار كثير سائر، فنقتصر منه على هذا القدر.
وكان يمدح المهدي بن المنصور أمير المؤمنين، ورمي عنده بالزندقة، فأمر بضربه فضرب سبعين سوطاً، فمات من ذلك في البطيحة بالقرب من البصرة، فجاء بعض أهله فحمله إلى البصرة ودفنه بها، وذلك في سنة سبع، وقيل: ثمان وستين ومائة، وقد نيف على تسعين سنة، رحمه الله تعالى.


ويروى عنه أنه كان يفضل النار على الأرض، ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه وسلامه، وينسب إليه من الشعر في تفضيل النار على الأرض قوله:

 

الأرض مظلمة، والنار مشرقة

 

والنار معبودة مذ كانت النـار

 

وقد روي أنه فتشت كتبه فلم يصب فيها شيء مما كان يرمى به، وأصيب له كتاب فيه إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس - رضي الله عنهم - فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكت عنهم والله أعلم بحاله.
وقال الطبري في تارخه: كان سبب قتل المهدي لبشار أن المهدي ولى صالح بن داود أخا يعقوب بن داود وزير المهدي ولايةً، فهجاه بشار بقوله ليعقوب:

 

هم حملوا فوق المنابر صالحـاً

 

أخاك فضجت من أخيك المنابر

 

فبلغ يعقوب هجاؤه، فدخل على المهدي وقال له: إن بشارا هجاك، قال: ويلك، ماذا قال؟ قال: يعفيني أمير المؤمنين من إنشادذلك، فقال: لابد، فأنشده:

 

خلـيفة يزنـي بـعـمـاتـه

 

يلعب بالدبوق والصولـجـان

أبـدلـنـا الـلـه بـه غـيره

 

ودس موسى في حر الخيزران

فطلبه المهدي، فخاف يعقوب أن يدخل عليه فيمدحه فيعفو عنه، فوجه إليه من ألقاه في البطيحة.

ويرجوخ: بفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الراء وضم الجيم وبعد الواو الساكنة خاء معجمة.

والعقيلي - بضم العين المهملة وفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام - هذه النسبة إلى عقيل بن كعب، وهي قبيلة كبيرة.

والمرعث - بضم الميم وفتح الراء وتشديد العين المهملة المفتوحة وعدها ثاء مثلثة - وهو الذي في أذنه رعاث، والرعاث القرطة، واحدتها رعثة، وهي القرط، قلب بذلك لأنه كان مرعثاً في صغره، ورعثات الديك المتدلي أسفل حنكه، والرعث: الاسترسال والتساقط، وكأن اسم القرطة اشتق منه، وقيل في تلقيبه بذلك غير هذا، وهذا أصح.

وطخارستان - بضم الطاء المهملة وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف راء مضمومة وبعدها سين ساكنة مهملة ثم تاء مثناة من فوقها وبعد الألف نون - وهي ناحية كبيرة مشتملة على بلدان وراء نهر بلخ على جيحون خرج منها جماعة من العلماء.