ناصح الدين الأرجاني

أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني الملقب ناصح الدين؛ - كان قاضي تستر وعسكر مكرم -، وله شعر رائق في نهاية الحسن، ذكره العماد الكاتب الأصبهاني في كتاب الخريدة فقال: كان الأرجاني في عنفوان عمره بالمدرسة النظامية بأصبهان، وشعره من آخر عهد نظام الملك، منذ سنة نيف وثمانين وأربعمائة، إلى آخرعهده، وهو سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ولم يزل نائب القاضي بعسكر مكرم، وهو مبجل مكرم، وشعره كثير والذي جمع منه لا يكون عشره، ولما وافيت عسكر مكرم سنة تسع وأربعين وخمسمائة لقيت بها ولده محمداً رئيس الدين أعارني إضبارة كبيرة من شعر والده.

منبت شجرته أرجان، وموطن أسرته تستر وعسكر مكرم من خوزستان، وهو وإن كان في العجم مولده، فمن العرب محتده، سلفه القديم من الأنصار، لم يسمح بنظيره سالف الأعصار، أوسي الأس خزرجيه، قسي النطق إياديه، فارسي القلم وفارس ميدانه، وسلمان برهانه، من أبناء فارس الذين نالوا العلم المتعلق بالثريا، جمع بين العذوبة والطيب في الري والريا. انتهى كلام العماد.

قلت: ونقلت من ديوانه أنه كان ينوب في القضاء ببلاد خوزستان، تارة بتستر وتارة بعسكر مكرم، مرة عن قاضيها ناصر الدين أبي محمد عبد القاهر بن محمد، ومن بعده عن عماد الدين أبي العلاء رجاء، وفي ذلك يقول:

 

ومن الـنـوائب أنـنـي

 

في مثل هذا الشغل نائب

ومن العـجـائب أن لـي

 

صبراً على هذي العجائب

 

وكان فقيهاً شاعراً، وفي ذلك يقول:

 

أنا أشعر الفقهاء غير مـدافـعٍ

 

في العصر، أو أنا أفقه الشعراء

شعري إذا ماقلت دونه الـورى

 

بالطبع لا بتكـلـف الإلـقـاء

كالصوت في قلل الجبال إذا علا

 

للسمع هاج تجـاوب الأصـداء

 

ومن شعره أيضاً:

 

شارو سـواك إذا نـابـتـك نـائبة

 

يوماً وإن كانت من أهل المشورات

فالعين تلقى كفاحاً مـادنـا ونـأى

 

ولا ترى نفـسـهـا إلا بـمـرآة

ماجبت آفاق الـبـلاد مـطـوفـاً

 

إلا وانتم في الورى متطـلـبـي

سعيي إليكم في الحقـيقة، والـذي

 

تجدون عنكم فهو سعي الدهر بـي

أنحوكم ويرد وجهي القـهـقـرى

 

عنكم فسيري مثل سير الكـوكـب

فالقصد نحو المشرق الأقصى لكـم

 

والسير رأي العين نحو المغـرب

 

ومن شعره أيضاً ما كتبه إلى بعض الرؤساء يعتب عليه لعدم سؤاله عنه وقد انقطع عنه مدة:

 

نفسي فداؤك أيهذا الصاحـب

 

يامن هواه علي فرض واجب

لم طال تقصيري وما عاتبتنـي

 

فأنا الغداة مقصر ومعـاتـب

ومن الدليل على ملالك أننـي

 

قد غبت أياماً ومالي طالـب

وإذا رأيت العبد يهرب ثم لـم

 

يطلب فمولى العبد منه هارب

 

وله أيضاً، وهومعنى غريب:

 

رثى لي وقد ساويته في نحوله

 

خيالي لما لم يكن لي راحـم

فدلس بي حتى طرقت مكانه

 

وأوهمت إلفي أنه بي حالـم

وبتنا ولم يشعر بنا الناس لـيلة

 

أنا ساهر في جفنه وهو نائم

 

وله من قصيدة وأجاد فيها:

 

تأمل تحت ذاك الصدغ خالاً

 

لتعلم كم خبايا في الـزوايا

 

وله أيضاً:

 

شبت أنا والتحى حبيبي

 

وبان عني وبنت عنـه

وأبيض ذاك السواد مني

 

وأسود ذاك البياض منه

 

وله أيضاً:

 

سأل الفضا عنه وأصغى للصدى

 

كيما يجيب فقال مثل مقـالـه

ناداه أين ترى محـط رحـالـه

 

فأجاب أين ترى محط رحالـه

وله أيضاً:

لو كنت أجهل ما علمت لسرنـي

 

جهلي كما قد ساءني ما أعـلـم

كالصعو يرتع في الرياض، وإنما

 

حبس الهـزار لأنـه يتـرنـم

 

ومثله قول بعضهم:

 

يقصد أهل الفضل دون الورى

 

مصائب الدنـيا وآفـاتـهـا

كالطير لا يحبس من بينـهـا

 

إلا التي تطرب أصواتـهـا

 

وهذا ينظر إلى قول الغزي أبي إسحاق المقدم ذكره من جملة قصيدة طويلة:

 

لا غرو أن تجني علي فضائلي

 

سبب احتراق المندلي دخانـه

 

ونقتصر على هذه المقاطيع من شعره، ولا حاجة إلى ذكر شيء من قصائده المطولات خوفاً من الإطالة.


وله أيضاً:

 

أحب المرء ظاهره جميل

 

لصاحبه وباطنه سـلـيم

مودته تدوم لكـل هـول

 

وهل كل مودتـه تـدوم

 

وهذا البيت - أعني الثاني منهما - يقرأ معكوساً، ويوجد في ديوان الغزي المذكور أيضاً، والله أعلم.


وله ديوان شعر فيه كل معنى لطيف.


ومولده سنة ستين وأربعمائة، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وخمسمائة بمدينة تستر، رحمه الله تعالى، وقيل بعسكر مكرم.


والأرجاني - بفتح الهمزة وتشديد الراء المهملة وفتح الجيم وبعد الألف نون - هذه النسبة إلى أرجان، وهي من كور الهواز من بلاد خوزستان، وأكثر الناس يقولون: إنها بالراء المخففة، واستعملها المتنبي في شعره مخففة في قوله:

 

أرجان أيتهـاالـجـياد، فـإنـه

 

عزمي الذي يذر الوشيج مكسرا

وحكاها الجوهري في الصحاح، والحازمي في كتابه الذي سماه ما اتفق لفظه وافترق مسماه يتشديد الراء.

وتستر - بضم التاء المثناة من فوقها وسكون السين المهملة وفتح التاء الثانية وبعدها راء - مدينة مشهورة بخوزستان، والعامة تسميها ششتر.

 وعسكر مكرم - قد اختلفوا في مكرم، فأكثر العلماء على أنه مكرم اخو مطرف بن سيدان بن عقيلة بن ذكوان بن حيان بن الخرزق بن عيلان بن حاوة بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان، هكذا نسبه استخرجته على هذه الصورة من كتاب الجمهرة لابن الكلبي، وليس في نسبه باهلة، ومكرم المذكور يعرف بمكرم الباهلي الحاوي، والله اعلم. وقيل: هو مكرم أحد بني جعونة العامري.

وقيل: هو مكرم مولى الحجاج بن يوسف الثقفي، نزله لمحاربة خرزاد ابن بارس فسمي بذلك.

وخوزستان - بضم الخاء المعجمة وبعد الواو زاي ثم سين مهملة - وهوإقليم متسع بين البصرة وفارس.