أبو اسحاق الزجاج

أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن السرى بن سهل الزجاج النحوي؛ كان من أهل العلم بالأدب والدين المتين، وصنف كتاباً في معاني القرآن وله كتاب الأمالي، وكتاب مافسر من جامع المنطق، وكتاب الاشتقاق، وكتاب العروض، وكتاب القوافي وكتاب الفرق، وكتاب خلق الإنسان، وكتاب خلق الفرس، وكتاب مختصر في النحو، وكتاب فعلت وأفعلت، وكتاب ماينصرف ومالاينصرف، وكتاب شرح أبيات سيبويه، وكتاب النوادر، وكتاب الأنواء، وغير ذلك.

وأخذ الأدب عن المبرد وثعلب، رحمهما الله تعالى، وكان يخرط الزجاج، ثم تركه واشتغل بالأدب، فنسب إليه. روى أبو سليمان الخطابي عن أحمد بن الحسين الفرائضي قال: كان أصحاب المبرد إذا اجتمعوا واستأذنوا يخرج الآذن فيقول: إن كان فيكم أبو إسحاق الزجاج وإلا انصرفوا، فحضروا مرة ولم يكن الزجاج معهم؛ فقال لهم ذلك فانصرفوا، وثبت رجل منهم يقال له عثمان، فقال للآذن: قل لأبي العباس: انصرف القوم كلهم إلا عثمان فإنه لم ينصرف، فعاد إليه الآذن وأخبره، فقال: قل له إن عثمان إذا كان نكرة انصرف، ونحن لانعرفك فانصرف راشدا. واختص بصحبة الوزير عبيد الله ابن سليمان بن وهب، وعلم ولده القاسم الأدب، ولما استوزر القاسم بن عبيد الله أفاد بطريقة مالآ جزيلاً.

وحكى الشيخ أبو علي الفارسي النحوي قال: دخلت مع شيخنا أبي إسحاق الزجاج على القاسم بن عبيد الله الوزير فورد إليه الخادم فساره بسراستبشر له، ثم نهض، فلم يكن بأسرع من أن عاد وفي وجهه أثر الوجوم، فسأله شيخنا عن ذلك لأنس كان بينهما، فقال له: كانت تختلف إلينا جارية لإحدى القينات فسمتها أن تبيعني إياها، فامتنعت من ذلك، ثم أشار عليها أحد من ينصحها بأن تهديها إلي رجاء أن أضاعف لها ثمنها، فلما جاءت أعلمني الخادم بذلك، فنهضت مستبشراً لافتضاضها فوجدتها قد حاضت، فكان مني ما ترى، فأخذ شيخنا الدواة من بين يديه، وكتب:

فارس ماض بحربـتـه

 

حاذق بالطعن في الظلم

رام أن يدمي فريستـه

 

فاتقتـه مـن دمٍ بـدم

قلت: وسيأتي في ترجمة بوران بنت الحسن بن سهل ذكر هذين البيتين على صورة أخرى، فيما جرى لها مع المأمون، والله أعلم بالصواب، ويحتمل أن تكون قضية المأمون مع بوران هي الأصل، وأن الزجاج تمثل بالبيتين لما جرى للوزير هذه القضية، والله أعلم.

توفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة سنة عشر - وقيل: سنة إحدى عشرة، وقيل: سنة ست عشرة - وثلثمائة، ببغداد، رحمة الله تعالى، وقد أناف على ثمانين سنة.

وإليه ينسب أبو القاسم عبد الرحمن الزجاجي صاحب كتاب الجمل في النحو، لأنه كان تلميذه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته، رحمه الله؛ وعنه أخذ أبو علي الفارسي أيضاً.