أبوأحمد العسكري

أبو أحمد بن عبد الله بن سعيد العسكري؛ أحد الأثمة في الآداب والحفظ، وهو صاحب أخبار ونوادر، وله رواية متسعة، وله التصانيف المفيدة: منها كتاب التصحيف الذي جمع فيه فأوعب وغير ذلك، وكان الصاحب بن عباد يود الاجتماع به ولا يجد إليه سبيلاً، فقال لمخدومه مؤيد الدولة بن بويه: إن عسكر مكرم قد اختلت أحوالها، وأحتاج إلى كشفها بنفسي، فأذن له في ذلك، فلما أتاها توقع أن يزوره أبو أحمد المذكور فلم يزره، فكتب الصاحب إليه:

 

ولما أبيتم أن تزوروا وقلـتـم

 

ضعفنا فلم نقدر على الوخدان

أتيناكم من بعد أرض نزوركم

 

وكم منزل بكر لنـا وعـوان

نسائلكم هل من قرى لنزيلكـم

 

بملء جفون لا بملء جفـان

 

وكتب مع هذه الأبيات شيئاً من النثر، فجاوبه أبو أحمد عن النثر بنثر مثله، وعن هذه الأبيات بالبيت المشهور، وهو:

 

أهم بأمر الحزم لو أستطيعه

 

وقد حيل بين العير والنزوان

 

فلما وقف الصاحب على الجواب عجب عن اتفاق هذا البيت له، وقال: والله لو علمت أنه يقع له هذا البيت لما كتبت إليه على هذا الروي.


وهذا البيت لصخر بن عمرو بن الشريد أخي الخنساء، وهو من جملة أبيات مشهورة، وكان صخر المذكور قد حضر محاربة بني أسد، فطعنه ربيعة ابن ثور الأسدي فأدخل بعض حلقات الدرع في جنبه. وبقي مدة حول في اشد ما يكون من المرض، وامه وزوجته سليمى تمرضانه، فضجرت زوجته منه، فمرت بها امرأة فسألتها عن حاله، فقالت: لا هو حي فيرجى، ولا ميت فينسى، فسمعها صخر فأنشد:

 

أرى أم صخر لا تمل عيادتـي

 

وملت سليمى موضعي ومكاني

وما كنت أخشى أن أكون جنازة

 

عليك، ومن يغتر بالحـدثـان

لعمري لقد نبهت من كان نائماً

 

وأسمعت من كانت له أذنـان

وأي امرئ ساوى بأم حـلـيلة

 

فلا عاش إلا في شقاً وهـوان

أهم بأمر الحزم لو أستطـيعـه

 

وقد حيل بين العير والنـزوان

فللموت خير من حياة كأنـهـا

 

معرس يعسوب برأس سنـان

وكانت ولادته يوم الخميس لست عشرة ليلة خلت من شوال سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وتوفي يوم الجمعة لسبع خلون من ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة، رحمه الله تعالى.

وأخذ عن أبي بكر ابن دريد؛ وله من التصانيف كتاب المختلف والمؤتلف وكتاب علم المنطق وكتاب الحكم والأمثال وكتاب الزواجر وغير ذلك.

والعسكري - بفتح العين المهملة وشكون السين المهملة وفتح الكاف وبعدها راء - هذه النسبة إلى عدة مواضع، فأشهرها عسكر مكرم، وهي مدينة من كور الأهواز، ومكرم الذي تنسب إليه مكرم الباهلي، وهو أول من اختطها فنسبت إليه، وأبو أحمد المذكور من هذه المدينة، وسيأتي العسكري منسوباً إلى شيء آخر إن شاءالله تعالى.