أحمد القطرسي النفيس

أبو العباس أحمد بين أبي القاسم عبد الغني بن أحمد بن عبد الرحمن بن خلف بن مسلم اللخمي المالكي القطرسي، المنعوت بالنفيس؛ كان من الأدباء، وله ديوان شعر أجاد فيه، ونقلت منه قصيدة يمدح بها الأمير شجاع الدين جلدك التقوي، المعروف بوالي دمياط، أولها:

قل للحبيب أطلت صـدك

 

وجعلت قتلي فيك وكدك

إن شئت أن أسلـو فـرد

 

علي قلبي فهو عـنـدك

أخلفت حـتـى فـي زيا

 

رتنا بطيف منك وعـدك

وأنا عليك كـمـا عـهـد

 

وإن نقضت علي عهـدك

أحرقت ياثغر الـحـبـي

 

ب حشاي لما ذقت بردك

وشهـدت انـي ظـالـم

 

لما طلبت إليك شـهـدك

أتظن غصـن الـبـان يع

 

جبني وقد عاينت قـدك؟

أم يخـدع الـتـفـاح أل

 

حاظي وقد شاهدت خدك

أم خلت آس عـذارك ال

 

منشوق يحمي منك وردك

لا والذي جعل الـهـوى

 

مولاي حتى صرت عبدك

يا قلب من لا نت مـعـا

 

طفه علينـا مـا أشـدك

أتظنني جـلـد الـهـوى

 

أو أن لي عزمات جلدك

 

وهي قصيدة جيدة، ونقتصر منها على هذا القدر خوف الإطالة.


زجاب النفيس المذكور البلاد، ومدح الناس، واستجدى بشعره.


وذكره العماد الكاتب في الخريدة، فقال: فقيه مالكي المذهب، له يد في علوم الوائل والدب، ومن شعره قوله:

 

يسر بالعـيد أقـوام لـهـم سـعة

 

من الثراء، وأما المقـتـرن فـلا

هل سرني وثيابي فيه قوم سـبـا

 

أو راقني وعلى رأسي به ابن جلا

 

يعني قوم سبأ مزقناهم كل ممزق، وابن جلا ماله عمامة، يشير إلى قول الشاعر سحيم بن وثيل الرباحي:

 

أنا ابن جلا وطلاع الثـنـايا

 

متى أضع العمامة تعرفوني

 

وذكره العماد أيضاً في كتاب السيل فقال: كان من الفقهاء بمصر، وقد رأيت القاضي الفاضل يثني عليه، ووجدت له قصيدة كتبها من مصر إليه ونقلت من ديوانه أيضاً:

 

يا راحلا وجميل الصبر يتبعـه

 

هل من سبيل إلى لقياك يتفـق

ما أنصفتك جفوني وهي دامية

 

ولا وفى لك قلبي وهو محترق

 

ومن شعره أيضاً في الأمير فخر الدين إسماعيل بن ثعلب:

 

مدحت الجعفري فما أثـابـت

 

يداه فظن مدحي لـلـثـواب

وما كان احتساب الأجـر فـيه

 

على كذب المدائح في الحساب

 

ومن شعره أيضاً:

 

يأبى العذار المستدير بوجهه

 

وكمال بهجة حسنه المنعوت

فكانما هو صولجان زمـرد

 

متلقف كرة من الـياقـوت

 

وله في كأس سقطت وهو معنى بديع:

 

ما سقطت كاسك من عـلة

 

لكن يد الفضل بتبـديدهـا

هيهات ان تحفظهـا راحة

 

ما حفظت قط سوى جودها

وله:

فؤادي إليك شديد الظـمـا

 

وعيني تشكو لك الحاجبـا

فرتب لي الأذن سهلاً لديك

 

فإني أرضى به راتـبـاً

 

وكتب إلى القاضي الأسعد بن عثمان يستدعيه من جملة ابيات:

 

صر إلينا على الـبـراق وإلا

 

جاءك العتب بعد فوت المراد

 

وصار إليه وأنشده ارتجالاً:

قد اجبت لنـداء يا داعـي ال

 

مجد ولو كنت موثقاً في صفاد

فودادي يصونني عن عـتـاب

 

وبراقي عزيمتي في الـوداد

 

وله في مغن اسمه حسام ويعرف بالأقرع وهي من الشعر المختار:

 

وفتيان تملكت الحـمـيا

 

أزمة امرهم ملك الأمير

أرادوا من حسام أن يغنـي

 

ليطربهم وذاك من الغرور

فقلت لهم متى بالله غـنـى

 

حسام قط في زمن السرور

 

ومن شعره أيضاً:

 

لاتسأل اليوم عن حالي وعن خبـري

 

دهت فؤادي دواهي الحسن والقـدر

أصبحت قد ضل قلبي في هوى قمر

 

فأعجب لمن ضل بين الشمس والقمر

 

وله أيضا وكتب بهما إلى بعض أصدقائه يعاتبه:

 

إن مسني من جنابٍ كنت أعهد لي

 

فيه النعيم تكاليف من الشظـف

فالشمس والبدر حسبي أسوة بهما

 

وربما كسفا في البيت والشـرف

 

ومن شعره يصف دير القصير أولها:

 

قصرنا على دير القصير ركابنـا

 

ليالي قضاها السرور قصـارا

محل يريك النيل والروض والمها

 

ويدني من النجم البعـيد مـزارا

وتهدي إلأى أبصارنا وقلوبـنـا

 

بغـير عـنـاء قـوة وقـدارا

 

ويقتصر من شعره على هذا القدر.


وكان جده يقال له قطرس وتوفي في الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة بمدينة قوص، وقد ناهز سبعين سنة من عمره، رحمه الله تعالى.


واللخمي - بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وبعدها ميم - هذه النمسبة إلى لخم بن عدي، واسمه مالك، وهو أخو جذام، واسم جذام عمر بن عدي، وكانا قد تشاجرا فلخم عمرو مالكا - أي لطمه - فضرب مالك عمرا بمدية فجذم يده - أي قطعها - فسمي مالك لخما، وسمي عمرو جذاماً لهذا السبب.


والقطرسي - بضم القاف وسكون الطاء المهملة وضم الراء وبعدها سين مهملة - هذه النسبة كشفت عنها كثيراً ولم اقف لها على حقيقة، غير انه كان من أهل مصر، ثم أخبرني بهاء الدين زهير بن محمد الكاتب الشاعر - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - أن هذه النسبة إلى جده قطرس، وكان صاحبه، وروى عنه شيئا من شعره.


وجلدك: أبو المظفر عتيق تقي الدين عمر، صاحب حماة - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وكان ديناً فاضلاً. ومات في الثامن والعشرين من شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة بالقاهرة، وقد ناهز ثمانين سنة، وله شعر، وروى عن الحافظ السلفي وغيره، ومن جملة ما روى بهاء الدين زهير من شعره في غلام يتعلم على الهندسة والهيئة:

 

وذي هيئة يزهو بوجه مهندس

 

أموت به كل يوم وأبـعـث

محيط بأشكال الملاحة وجهه

 

كأن به إقليدسـاً يتـحـدث

فعارضه خط استواء وخالـه

 

به نقطة والصدغ شكل مثلث

وتنسب هذه اليات إلى أبي جعفر العلوي المصري، والله أعلم.