ابن أبي الشخباء

الشيخ المجيد أبو علي الحسن بن عبد الصمد بن أبي الشخباء العسقلاني صاحب الخطب المشهور والرسائل المحبرة؛ كان من فرسان النثر، وله فيه اليد الطولى. ويقال: إن القاضي الفاضل، رحمه الله تعالى، كان جل اعتماده على حفظ كلامه وإنه كان يستحضر أكثره. وذكره عماد الدين الأصبهاني في الخريدة فقال: المجيد مجيد كنعته، قادر على ابتداع الكلام ونحته، له الخطب البديعة والملح الصنيعة، وذكره ابن بسام في الذخيرة وسرد له جملة من الرسائل، وذكر هذا المقطوع من نظمه، وهو من بعض قصيد:

ما زال يختار الزمان مـلـوكـه

 

حتى أصاب المصطفى المتخـيرا

قل للألى ساسوا الورى وتقدمـوا

 

قدما هلموا شاهدوا المـتـأخـرا

تجدوه أوسع في السياسة منـكـم

 

صدراً وأحمد في العواقب مصدرا

إن كان رأي شـاوروه أحـنـفـاً

 

أو كان بأس نازلـوه عـنـتـرا

قد صام والحسنات ملء كـتـابـه

 

وعلى مثال صيامه قـد أفـطـر

ولقد تخوفك الـعـدو بـجـهـده

 

لو كـان يقـدر أن يرد مـقـدرا

إن أنت لم تبعـث إلـيه ضـمـراً

 

جرداً بعثت إليه كيداً مضـمـرا

يسري ما حملت رجـال أبـيضـاً

 

فيه ولا ادرعت كمـاة أسـمـرا

خطروا إليك فخاطروا بنفوسـهـم

 

وأمرت سيفك فيهم أن يخـطـرا

عجبوا لحلمك أن تحول سـطـوة

 

وزلال خلقك كيف عاد مـكـدرا

لا تعجبـوا مـن رقة وقـسـاوة

 

فالنار تقدم من قضيب أخـضـرا

 

وقد اقتصرت منها على هذا القدر خوفاً من التطويل.


ومن المنسوب إلى ابن أبي الشخباء أيضاً قوله:

يا سيف نصري والمهنـد يانـع

 

وربيع أرضي والسحاب مصاف

أخلاقك الغر النميرة مـا لـهـا

 

حملت قذى الواشين وهي سلاف

والإفك في مرآة رأيك مـا لـه

 

يخفى وأنت الجوهر الشـفـاف

 

ورأيت في ديوانه البيتين المشهورين:

 

حجاب وإعجاب وفرط تصلف

 

ومد يد نحو العلا بتكـلـف

ولو كان هذا من وراء كفـاية

 

عذرنا ولكن من وراء تخلف

 

ومن شعره أيضاً:

 

يجود بالماء غيث السحب منقطعاً

 

وغيث كفك بالأموال متـصـل

جاري نداك ولم يظفر ببغـيتـه

 

فحمرة البرق في حافاته خجل

 

ومن شعره:

 

ومهفهف علق السقام بطرفـه

 

وسرى فخيم في معاقد خصره

مزقت أثواب الظلام بثـغـره

 

ثم انثنيت أحوكها من شعـره

وذكر أنه توفي مقتولاً بخزانة البنود، وهي سجب بمدينة القاهرة المعزية، سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.

والشخباء: بفتح الشين المثلثة وسكون الخاء المعجمة وبعد الباء الموحدة ألف ممدودة.

والعسقلاني: نسبة إلى مدينة عسقلان وهي مشهورة على الساحل.