ابن وكيع التنيسي

أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد الضبي المعروف بابن وكيع التنيسي الشاعر المشهور؛ أصله من بغداد ومولده بتنيس. ذكره أبو منصور الثعالبي في "يتيمة الدهر"، وقال في حقه: "شاعر بارع، وعالم جامع، قد برع على أهل زمانه، فلم يتقدمه أحد في أوانه، وله كل بديعة تسحر الأوهام، وتستعبد الأفهام"، وذكر مزدوجته المربعة، وهي من جيد النظم، وأورد له غيرها، وله ديوان شعر جيد، وله كتاب بين فيه سرقات ابي الطيب المتنبي سماه "المنصف"، وكان في لسانه عجمة، ويقال له العاطس، ومن شعره:

 

سلا عن حبك القلب المشوق

 

فما يصبو إليك ولا يتـوق

جفاؤك كان عنك لنا عـزاء

 

وقد يسلي عن الولد العقوق

 

وله أيضاً:

 

كأنها في الكؤوس إذ جليت

 

من عسجد رق لونه وصفا

أغضبها الماء حين مازجها

 

وأزبدت في كؤوسها أنفـا

در حباب يود مـبـصـره

 

لو كان يوماً لأذله شنـفـا

 

وله أيضاً:

 

إن كان قد بعد اللقاء فـودنـا

 

دان، ونحن على النوى أحباب

كم قاطع للوصل يؤمـن وده

 

ومواصـل بـوداده يرتـاب

 

وله أيضاً:

 

لقد شمت بقلبـي

 

لا فرج الله عنه

كم لمته في هواه

 

فقال لابد منـه

 

ولقد ألم به بعضهم فقال:

 

لا رعى الله عزمة ضمنت لي

 

سلوة القلب والتصبر عـنـه

ما وفت غير ساعة ثم عـادت

 

مثل قلبي تقول لابـد مـنـه

 

ومثله قول أسامة بن منقذ الشيزري المقدم ذكره:

 

لا تستعر جلداً عن هجرانـهـم

 

فقواك تضعف عن صدود دائم

واعلم بأنك إن رجعت إلـيهـم

 

طوعاً، وغلا عدت عودة راغم

 

وقال بعض الفقهاء: أنشدت الشيخ مرتضى الدين أبا الفتح نصر بن محمد بن مقلد القضاعي الشيزري المدرس كان بتربة الإمام الشافعي رضي الله عنه بالقرافة لابن وكيع المذكور:

 

لقد قنعت همتي بالخمـول

 

وصدت عن الرتب العالية

وما جهلت طيب طعم العلا

 

ولكنها تؤثر الـعـافـية

 

فأنشدني لنفسه على البديهة:

 

بقدر الصعود يكون الهبـوط

 

فإياك والرتب الـعـالـية

وكن في مكان إذا ما سقطت

 

تقوم ورجلاك في عافـية

 

وله أيضاً-أعني ابن وكيع -:

 

أبصره عاذلـي عـلـيه

 

ولم يكـن قـبـل ذا رآه

فقال لي لو هويت هـذا

 

ما لامك الناس في هواه

قل لي إلى من عدلت عنه

 

فليس أهل الهوى سـواه

فظل من حيث ليس يدري

 

يأمر بالحب من نـهـاه

 

وكنت أنشدت هذه الأبيات لصاحبنا الفقيه شهاب الدين محمد ولد الشيخ تقي الدين عبد المنعم المعروف بالخيمي فأنشدني لنفسه في المعنى:

 

لو رأى وجه حبيبي عاذلي

 

لتفاصلنا على وجه جميل

وهذا البيت من جملة أبيات، ولقد أجاد فيه وأحسن في التورية وله كل معنى حسن.

وكانت وفاة ابن وكيع المذكور يوم الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة بمدينة تنيس، ودفن في المقبرة الكبرى في القبة التي بنية له بها، رحمه الله تعالى.

ووكيع -بفتح الواو وكسر الكاف وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها عين مهملة-وهو لقب جده أبي بكر محمد بن خلف، وكان نائباً في الحكم بالأهواز لعبدان الجواليقي. وكان فاضلاً نبيلاً فصيحاً من أهل القرآن والفقه والنحو والسير وأيام الناس وأخبارهم، وله مصنفات كثيرة، فمنها: كتاب "الطريق" وكتاب "الشريف" وكتاب "عدد آي القرآن والاختلاف فيه" وكتاب "الرمي والنضال" وكتاب "المكاييل والموازين" وغير ذلك، وله شعر كشعر العلماء. وتوفي يوم الأحد لست بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلثمائة ببغداد.

وقال ابن قانع: توفي عبدان الأهوازي سنة سبع وثلثمائة بعسكر مكرم، رحمه الله تعالى.

والتنيسي-بكسر التاء المثناة من فوقها وكسر النون المشددة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها سين مهملة-نسبة إلى تنيس مدينة بديار مصر بالقرب من دمياط، بناها تنيس بن حام بن نوح عليه السلام فسميت باسمه.

وتوفي المرتضى الشيزري المذكور في سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بمصر، ودفن بسفح المقطم، رحمه الله تعالى.