أبو علي تميم بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي؛ كان أبوه صاحب الديار المصرية والمغرب، وهو الذي بنى القاهرة المعزية - وسيأتي ذكره في حرف الميم إن شاء الله تعالى - وقد تقدم ذكر جماعة من أهل بيته - وسيأتي ذكر الباقين إن شاء الله تعالى -؛ وكن تميم المذكور فاضلاً شاعراً ماهراً لطيفاً ظريفاً، ولم يل المملكة لأن ولاية العهد كانت لأخيه العزيز فوليها بعد أبيه، والعزيز أيضاً أشعار جيدة وقد ذكرهما أبو منصور الثعالبي في اليتيمة، وأورد لهما كثيراً من المقاطيع، فمن شعر تميم المذكور:
ما بان عذري فيه حتى عـذراً |
|
ومشى الدجى في خده فتحيرا |
همت تقلبه عقارب صـدغـه |
|
فاستل ناظره عليها خنـجـرا |
والله لـولا أن يقـال تـغـيراً |
|
وصباو إن كان التصابي أجدرا |
لأعدت تفاح الخدود بنفسـجـا |
|
لثما وكافور الترائب عنـبـرا |
وله أيضاً:
أما والذي لا يملك الأمر غيره |
|
ومن هو بالسر المكتم أعلـم |
لئن كان كتمان المصائب مؤلماً |
|
لإعلانها عنـدي أشـد وآلـم |
وبي كل ما يبكي العيون أقلـه |
|
وإن كنت منه دائما أتبـسـم |
وأورد له صاحب اليتيمة:
وما أم خشفٍ ظل يوماً ولـيلة |
|
ببلقعة بيداء ظـمـآن صـاديا |
تهيم فلا تدري إلى أين تنتهـي |
|
مولهة حيرى تجوب الفـيافـيا |
أضر بها حر الهجير فلم تجـد |
|
لغلتها من بارد الماء شـافـيا |
فلما دنت من خشفها انعطفت له |
|
فألفته ملهوف الجوانح طـاويا |
بأوجع مني يوم شدت حملـهـم |
|
ونادى منادي الحي أن لا تلاقيا |
وأورد له أبو الصلت أمية بن عبد العزيز في كتابه الحديقة:
يوم لنا في النيل مختصر |
|
ولكل يوم مسرة قصـر |
والسفن تصعد كالخيول بنا |
|
فيه وجيش الماء ينحـدر |
فكأنما أمواجـه عـكـن |
|
وكأنما داراتـه سـرر |
ومن شعره أيضاً رحمه الله تعالى:
اشرب على غيم كصبغ الدجى |
|
أضحك وجه الأرض لما بكى |
وانظر لماء النيل فـي مـدة |
|
كأنما صـنـدل أومـسـكـا |
وكان قد وصل إلى عبد الله بن محمد الكاتب بيتان قيلا في وصف النيل فجمع شعراء إفريقية وأمرهم أن يقولوا في معناهما وقافيتهما فلم يأتوا بطائل وهما هذان البيتان:
شربنا على النيل لما بدا |
|
بموجٍ يزيد ولا ينقص |
كأن تكاثف أمـواجـه |
|
معاطف جاريةٍ ترقص |
وأحسبهما للأمير تميم أو لبعض شعراء مصر، وذلك أن تميماً ركب في النيل ليلة متنزها فمر ببعض الطاقات المشرفة على النيل، وجاريةٍ تغني هذا الصوت:
نبهت ندماني بدجلة مـوهـنـا |
|
والبدر في أفق السماء معلـق |
والبدر يضحك وجهه في وجهها |
|
والماء يرقص حولها ويصفق |
فاستحسنه وطرب عليه وما زال يستعيدها فيه ويشرب عليه حتى انصرف وهو لا يعقل سكراً فلما أصبح عارضهما بالبيتين الأولين ومن المنسوب إليه أيضاً:
وكما يمل الدهر من إعطائه |
|
فكذا ملآلته من الحرمـان |
وأشعاره كلها حسنة.
وكانت وفاته في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وثلثمائة بمصر، رحمه الله تعالى، هكذا قال صاحب الدول المنقطعة وزاد العتقي في تاريخه أنه توفي يوم الثلاثاء مع زوال الشمس لثلاث عشرة ليلة خلت من الشهر المذكور، وأن أخاه العزيز نزار بن المعز حضر الصلاة عليه في بستانه، وغسله القاضي محمد بن النعمان وكفنه في ستين ثوباً، وأخرجه من البستان مع المغرب وصلى عليه بالقرافة، وحمله إلى القصر فدفنه بالحجرة التي فيها قبر أبيه المعز.
وقال محمد بن عبد الملك الهمداني في كتابه الذي سماه المعارف المتأخرة: إنه توفي سنة خمس وسبعين، والله أعلم. وقال غيرهما: إنه ولد سنة سبع وثلاثين وثلثمائة.