ثابت بن قرة

أبو الحسن ثابت بن قرة بن هارون - ويقال زهرون - بن ثابت بن كرايا ابن إبراهيم بن كرايا بن مارينوس بن مالاجريوس الحاسب الحكيم الحراني؛ كان في مبدإ أمره صيرفياً بحران، ثم انتقل إلى بغداد واشتغل بعلوم الأوائل فمهر فيها، وبرع في الطب.

وكان الغالب عليه الفلسفة، وله تآليف كثيرة في فنون من العلم مقدار عشرين تأليفا، وأخذ كتاب إقليدس الذي عربه حنين بن إسحاق العبادي فهذبه ونقحه وأوضح منه ما كان مستعجماً، وكان من أعيان عصره في الفضائل، وجرى بينه وبين أهل مذهبه أشياء أنكروها عليه في المذهب، فرافعوه إلى رئيسهم فأنكر عليه مقالته ومنعه من دخول الهيكل، فتاب ورجع عن ذلك، ثم عاد بعد مدة إلى تلم المقالة، فمنعوه من الدخول إلى المجمع، فخرج من حران ونزل كفر توثا، وأقام بها مدة إلى أن قدم محمد ابن موسى من بلاد الروم راجعا إلى بغداد، فاجتمع به فرآه فاضلا فصيحا، فاستصحبه إلى بغداد وأنزله في داره، ووصله بالخليفة فأدخله في جملة المنجمين، فسكن بغداد وأولد الأولاد وعقبه بها إلى الآن.

وكفر توثا - بفتح الكاف وسكون الفاء وفتح الراء وضم التاء المثناة من فوقها وسكون الواو وبعدها ثاء مثلثة - وهي قرية كبيرة بالجزيرة الفراتية بالقرب من دارا.

وكانت ولادته سنة إحدى وعشرين ومائتين، وتوفي يوم الخميس السادس والعشرين من صفر سنة ثمان وثمانين ومائتين.
وكان صابئي النحلة.

وله ولد يسمى إبراهيم بلغ رتبة أبيه في الفضل، وكان من حذاق الأطباء ومقدمي أهل زمانه في صناعة الطب، وعالج مرة السري الرفاءالشاعر فأصاب العافية، فعمل فيه، وهو من أحسن ماقيل في طبيب:

هل للعليل سوى ابن قره شافـي

 

بعد الإله، وهل له من كافـي؟

أحيا لنا رسم الفـلاسـفة الـذي

 

أودى، وأوضح رسم طب عافي

فكأنه عيسى بن مريم نـاطـقـاً

 

يهب الحياة بأيسـر الأوصـاف

مثلت له قارورتي فرأى بـهـا

 

ما اكتن بين جوانحي وشغافـي

يبدو له الداء الخفي كـمـا بـدا

 

للعين رضراض الغدير الصافي

 

له فيه أيضاً:

 

برز إبراهيم في علمـه

 

فراح يدعى وارث العلم

أوضح نهج الطب في معشر

 

ما زال فيهم دارس الرسـم

كأنه من لـطـف أفـكـاره

 

يجول بين الـدم والـلـحـم

إن غضبت روح على جسمها

 

أصلح بين الروح والجسـم

ومن حفدة ثابت المذكور أبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة، وكان صابئي النحلة أيضاً، وكان ببغداد في أيام معز الدولة بن بويه المقدم ذكره، وكان طبيباً عالماً نبيلاً يقرأ عليه كتب بقراط وجالينوس، وكان فكاكاً للمعاني، وكان قد سلك مسلك جده ثابت في نظره في الطب والفلسفة الهندسة وجميع الصناعات الرياضية للقدماء؛ وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه، وقد قيل: إن الأبيات المذكورة أولا من نظم السري الرفاء إنما عملها فيه، والله أعلم.

والحراني: نسبة إلى حران، وهي مدينة مشهورة بالجزيرة.

ذكر ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - في تاريخه أن هاران عم إبراهيم الخليل - عليه الصلاة والسلام - عمرها فسميت باسمه فقيل: هران، ثم إنها عربت فقيل: حران، وهاران المذكور: أبو سارة، زوجة إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

وكان لإبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أخ يسمى هاران أيضاً، وهو أبو لوط عليه السلام، وقال الجوهري في كتاب"الصحاح": وحران اسم بلد، والنسبة إليه حرناني على غير قياس، والقياس: حراني، على ما عليه العامة.