الوزير المهلبي

أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون بن إبراهيم بن عبد الله بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي المهلبي الوزير؛ كان وزير معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه الديلمي-المقدم ذكره في حرف الهمزة-تولى وزارته يوم الاثنين لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثلثمائة. وكان من ارتفاع القدر واتساع الصدر وعلو الهمة وفيض الكف على ما هو مشهور به، وكان غاية في الأدب والمحبة لأهله. وكان قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة، وكان قد سافر مرة ولقي في سفره مشقة صعبة واشتهى اللحم فلم يقدر عليه فقال ارتجالاً:

ألا موت يباع فـأشـتـريه

 

فهذا العيش ما لا خير فيه

ألا موت لذيذ الطعم يأتـي

 

يخلصني من العيش الكريه

إذا أبصرت قبراً من بعـيد

 

وددت لو أنني ممـا يلـيه

ألا رحم المهيمن نفس حر

 

تصدق بالوفاة على أخـيه

 

وكان معه رفيق يقال له: ابو عبد الله الصوفي، وقيل أبو الحسين العسقلاني، فلما سمع الأبيات اشترى له بدرهم لحماً وطبخه وأطعمه، وتفارقا. وتنقلت بالمهلبي الأحوال، وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة المذكور، وضاقت الحال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم، وبلغه وزارة المهلبي فقصده وكتب إليه:

 

ألا قل للوزير فدته نفسي

 

مقالة مذكر ما قد نسـيه

أتذكر إذ تقول لنضك عيش

 

"ألا موت يباع فأشتـريه"

 

فلما وقف عليه تذكره وهزته أريحية الكرم، فأمر له في الحال بسبعمائة درهم ووقع في رقعته "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء" ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملاً يرتفق به.


ولما ولي المهلبي الوزارة بعد تلك الإضاقة عمل:

 

رق الزمان لفاقـتـي

 

ورثى لطول تحرقي

فأنالني مـا أرتـجـيه

 

وحاد عمـاه أتـقـى

فلأطفحن عـمـا أتـا

 

ه من الذنوب السبـق

حتى جنـايتـه بـمـا

 

صنع المشيب بمفرقي

 

وله أيضاً:

 

قال لي من أحب والبين قـد ج

 

د وفي مهجتي لهيب الحـريق

ما الذي في الطريق تصنع بعدي

 

قلت أبكي عليك طول الطريق

 

ومن المنسوب إليه في وقت الإضاقة من الشعر ما كتبه إلى بعض الرؤساء، وقيل إنهما لأبي نواس:

 

ولو أني استزدتك فوق ما بي

 

من البلوى لأعوزك المـزيد

ولو عرضت على الموتى حياة

 

بعيش مثل عيشي لـم يريدوا

 

وقال أبو إسحاق الصابئ صاحب الرسائل: كنت يوماً عند الوزير المهلبي فأخذ ورقة وكتب، فقلت بديها:

 

له يد برعت جوداً بنـائلـهـا

 

ومنطق دره في الطرس ينتثر

فحاتم كامن في بطن راحتـه

 

وفي أناملها سحبان مستـتـر

 

وكان لمعز الدولة مملوك تركي في غاية الجمال، يدعى تكين الجامدار، وكان شديد المحبة له، فبعث سرية لمحاربة بعض بني حمدان وجعل المملوك المذكور مقدم الجيش، وكان الوزير المهلبي يستحسنه ويرى أنه من أهل الهوى لا مدد الوغى، فعمل فيه:

 

طفل يرق المـاء فـي

 

وجناتـه ويرف عـوده

ويكاد من شبـه الـعـذا

 

رى فيه أن تبدو نهـوده

ناطوا بمعقد خـصـره

 

سيفاً ومنطـقة تـؤوده

جعلوه قائد عـسـكـر

 

ضاع الرعيل ومن يقوده

 

وكذا كان، فإنه ما أنجح في تلك الحركة، وكانت الكرة عليهم.


ومن شعره النادر في الرقة قوله:

 

تصارمت الأجفان لما صرمتني

 

فما نلتقي إلا على عبرة تجري

 

 ومحاسن الوزير المهلبي كثيرة.


وكانت ولادته ليلة الثلاثاء لأربع بقين من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين بالبصرة. وتوفي يوم السبت لثلاث بقين من شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة في طريق واسط، وحمل إلى بغداد، فوصل إليها ليلة الأربعاء لخمس خلون من شهر رمضان من السنة المذكورة، ودفن في مقابر قريش في مقبرة النوبختية، رحمه الله تعالى.


والمهلبي-بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام المفتوحة وبعدها باء موحدة-هذه النسبة إلى المهلب المذكور أولاً، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.


ولما مات الوزير المذكور رثاه أبو عبد الله الحسين بن الحجاج الشاعر المشهور -وسيأتي ذكره-بقوله:

 

يا معشر الشعراء دعوة موجع

 

لا يرتجى فرج السلـو لـديه

عزوا القوافي بالوزير فإنـهـا

 

تبكي دماً بعد الدموع عـلـيه

مات الذي أمسى الثنـاء وراءه

 

والعفو عفو الـلـه بـين يديه

هدم الزمان بموته الحصن الذي

 

كنا نفر من الـزمـان إلـيه

فليعلمـن بـنـو بـويه أنـه

 

فجـعـت بـه أيام آل بـويه