الوزير نظام الملك

أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الملقب نظام الملك قوام الدين الطوسي؛ ذكر السمعاني، في كتاب "الأنساب" في ترجمة الراذ كان، أنها بليدة صغيرة بنواحي طوس، قيل إن نظام الملك كان في نواحيها، وكان من أولاد الدهاقين، واشتغل بالحديث والفقه، ثم اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ-وكان يكتب له-فكان يصادره في كل سنة، فهرس منه وقصد داود بن ميكائيل بن سلجوق، والد السلطان ألب أرسلان فظهر له منه النصح والمحبة، فسلمه إلى ولده ألب أرسلان وقال له: اتخذه والداً ولا تخالفه فيما يشير به، فلما ملك ألب أرسلان-كما سيأتي في موضعه من حرف الميم إن شاء الله تعالى-دبر أمره فأحسن التدبير، وبقي في خدمته عشر سنين، فلما مات ألب أرسلان وازدحم أولاده على الملك وطد المملكة لولده ملك شاه فصار الأمر كله لنظام الملك، وليس للسلطان إلا التخت والصيد، وأقام على هذا عشرين سنة.

ودخل على الإمام المقتدى بالله، فأذن له في الجلوس بين يديه، وقال له: يا حسن، رضي الله عنك برضاء أمير المؤمنين عنك.

وكان مجلسه عامراً بالفقهاء والصوفية، وكان كثير الإنعام على الصوفية، وسئل عن سبب ذلك فقال: أتاني صوفي وأنا في خدمة بعض الأمراء فوعظني وقال: اخدم من تنفعك خدمته ولا تشتغل بمن تأكله الكلاب غداً، فلم أعلم معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد إلى الليل وكانت له كلاب كالسباع تفترس الغرباء بالليل، فغلبه السكر فخرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك، فأنا أخدم الصوفية لعلي أظفر بمثل ذلك.

وكان إذا سمع الأذان أمسك عن جميع ما هو فيه. وكان إذا قدم عليه إمام الحرمين أبو المعالي وأبو القاسم القشيري صاحب الرسالة بالغ في إكرامهما وأجلسهما في مسنده. وبنى المدارس والربط والمساجد في البلاد، وهو أول من أنشأ المدارس فأقتدى به الناس. وشرع في عمارة مدرسته ببغداد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وفي سنة تسع وخمسين جمع الناس على طبقاتهم ليدرس بها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، رحمه الله تعالى، فلم يحضر، فذكر الدرس أبو نصر ابن الصباغ، صاحب "الشامل"، عشرين يوماً، ثم جلس الشيخ أبو إسحاق بعد ذلك. وهذا الفصل قد استقصيته في ترجمة أبي نصر عبد السيد بن الصباغ صاحب "الشامل" فلينظر هناك. وكان الشيخ أبو إسحاق إذا حضر وقت الصلاة خرج منها وصلى في بعض المساجد، وكان يقول: بلغني أن أكثر آلاتها غصب.

وسمع نظام الملك الحديث وأسمعه، وكان يقول: إني لأعلم أني لست أهلاً لذلك، ولكني أريد أربط نفسي في قطار النقلة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويروى له من الشعر قوله:

بعد الثمانين ليس قـوه

 

قد ذهبت شره الصبوه

كأنني والعصا بكفـي

 

موسى ولكن بلا نبوه

 

وقيل: إن هذين البيتين لأبي الحسن محمد بن أبي الصقر الواسطي-وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى-.


ويروى له أيضاً-أعني نظام الملك-:

 

تقوس بعد طول العمر ظهري

 

وداستني اللـيالـي أي دوس

فأمشي والعصا تمشي أمامي

 

كأن قوامها وتـر بـقـوس

 

وكانت ولادة نظام الملك يوم الجمعة الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة بنوقان، إحدى مدينتي طوس، وتوجه صحبة ملك شاه إلى أصبهان، فلما كانت ليلة السبت عاشر شهر رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة أفطر وركب في محفته، فلما بلغ إلى قرية قريبة من نهاوند يقال لها سحنة، قال: هذا الموضع قتل فيه خلق كثير من الصحابةزمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم أجمعين، فطوبى لمن كان معهم، فاعترضه في تلك الليلة صبي ديلمي على هيئة الصوفية معه قصة، فدعا له وسأله تناولها، فمد يده ليأخذها فضربه بسكين في فؤاده، فحمل إلى مضربه فمات، وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب، فعثر في طنب خيمة فوقع، وركب السلطان إلى معسكره، فسكنهم وعزاهم، وحمل إلى أصبهان ودفن بها.


وقيل: إن السلطان دس عليه من قتله فإنه سئم طول حياته، واستكثر ما بيده من الاقطاعات، ولم يعش السلطان بعده سوى خمس وثلاثين يوماً، فرحمه الله تعالى لقد كان من حسنات الدهر.


ورثاه شبل الدولة أبو الهيجاء مقاتل بن عطية بن مقاتل البكري-الآتي ذكره إن شاء الله تعالى-وكان ختنه فإن نظام الملك زوجه ابنته-فقال:

 

كان الوزير نظام الملك لـؤلـؤة

 

نفيسة صاغها الرحمن من شرف

عزت فلم تعرف الأيام قيمتـهـا

 

فردها غيرة منه إلى الصـدف

وقد قيل: إنه قتل بسبب تاج الملك أبي الغنائم المرزبان بن خسروفيروز المعروف بابن دارست، فإنه كان عدو نظام الملك، وكان كبير المنزلة عند مخدومه ملك شاه، فلما قتل رتبه موضعه في الوزارة، ثم إن غلمان نظام الملك وثبوا عليه فقتلوه وقطعوه إرباً إرباً في ليلة الثلاثاء ثاني عشر المحرم من سنة ست وثمانين وأربعمائة، وعمره سبع وأربعون سنة، وهو الذي بنى على قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، رحمه الله تعالى.