أسامة بن منقذ

أقبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي الشيزري الملقب مؤيد الدولة مجد الدين، من اكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر وعلمائهم وشجعانهم، له تصانيف عديدة في فنون الأدب.

ذكره أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل وأثنى عليه وعده في جملة من ورد عليه وأورد له مقاطيع من شعره.

وذكره العماد الكاتب في الخريدة وقال بعد الثناء عليه: سكن دمشق ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم، فانتقل إلى مصر فبقي بها مؤمراً مشاراً إليه بالتعظيم إلى أيام الصالح بن رزيك. ثم عاد إلى الشام وسكن دمشق، ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا، فأقام به حتى ملك السلطان صلاح الدين - رحمه الله تعالى - دمشق، فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين.

وقال غير العماد: إن قدومه مصر كان في أيام الظافر بن الحافظ والوزير يومئذ العادل بن السلار، فأحسن إليه وعمل عليه حتى قتل حسبما هو مشروح في ترجمته.

قلت: ثم وجدت جزءا كتبه بخطه للرشيد بن الزبير حتى يلحقه بكتاب الجنان، وكتب عليه أنه كتبه بمصر سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، فيكون قد دخل مصر في أيامه وأقام بها حتى قتل العادل بن السلار، إذ لا خلاف أنه حضر هناك وقت قتله.

وله ديوان شعر في جزأين موجود في أيدي الناس ورأيته بخطه. ونقلت منه قوله:

لاتستعر جلداً على هجرانهـم       فقواك تضعف من صدود دائم
واعلم بأنك إن رجعت إليهـم         طوعاً وإلا عدت عودة راغم

ونقلت منه في ابن طليب المصري، وقد احترقت داره:

انظر إلى الأيام كيف تسوقنا          قسراً إلى الإقرار بالأقدار
ما أوقد ابن طليب قط بداره            ناراً وكان خرابها بالنـار

ومما يناسب هذه الواقعة أن الوجيه ابن صورة المصري دلال الكتب كانت له بمصر دار موصوفة بالحسن فاحترقت، فعمل نشء الملك أبو الحسن علي ابن مفرج المعروف بابن المنجم المعري الأصل المصري الدار والوفاة:

أقول وقد عاينت دار ابن صورة        وللنار فيها مـارج يتـضـرم
كذا كل مال أصله من مهاوش        فعما قليل في نهـابـر يعـدم
وما هو إلا كافر طال عمـره             فجاءته لما استبطأته جهـنـم

والبيت الثاني مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم من أصاب مالاً من مهاوش أذهبه الله في نهابر، والمهاوش: الحرام، والنهابر: المهالك. والوجيه المذكور: هو أبو الفتوح ناصر بن أبي الحسن علي بن خلف الأنصاري المعروف بابن صورة، وكان سمساراً في الكتب بمصر، وله في ذلك حظ كبير، وكان يجلس في دهليز داره لذلك، ويجتمع عنده في يومي الأحد والأربعاء أعيان الرؤساء والفضلاء ويعرض عليهم الكتب التي تباع، ولا يزالون عنده إلى انقضاء وقت السوق، فلما مات السلفي سار إلى الإسكندرية لبيع كتبه، ومات في السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة سبع وستمائة بمصر ودفن بقرافتها، رحمه الله تعالى.
ولابن منقذ من قطعة يصف ضعفه:

فاعجب لضعف يدي عن حملها قلما            من بعد حطم القنا في لـبة الأسـد

ونقلت من ديوانه أيضاً أبياتاً كتبها إلى أبيه مرشد جوابا عن ابيات كتبها أبوه إليه، وهي:

وما أشكو تلـون أهـل ودي          ولو أجدت شكيتهم شكـوت
مللت عتابهم ويئست منـهـم     فما أرجوهم فيمن رجـوت
إذا أدمت قوارصهم فـؤادي          كظمت على أذاهم وانطويت
ورحت عليهم طلق المحـيا        كأني ما سمعـت ولا رأيت
تجنوا لي ذنوباً ما جنـتـهـا          يداي ولا أمرت ولانهـبـت
ولا والله ما أضمرت غـدراً            كما قد أظهروه ولا نـويت
ويوم الحشر موعدنا وتـبـدو        صحيفة ماجنوه وما جنـيت

وله بيتان في هذا الروي والوزن كتبهما في صدر كتاب إلى بعض أهل بيته في غاية الرقة والحسن، وهما:

شكا ألم الفراق الناس قبلـي          وروع بالنوى حي ومـيت
وأما مثل ما ضمت ضلوعي              فإني ما سمعـت ولا رأيت

والشيء بالشيء يذكر، أنشدني الأديب أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم المعروف بالجزار المصري لنفسه في بعض أدباء مصر، وكان شيخاً كبيراً، وظهر عليه جرب فالتطخ بالكبريت، قال: فلما بلغني ذلك كتبت إليه:

أيها السـيد الأديب دعـاءً          من محب خال من التنكيت
أنت شيخ وقد قربت من النا      رفكيف ادهنت بالكبـريت

ونقلت من خط الأمير أبي المظفر أسامة بن منقذ المذكور لنفسه، وقد قلع ضرسه، وقال: عملتهما ونحن بظاهر خلاط، وهو معنى غريب ويصلح أن يكون لغزاً في الضرس:

وصاحب لا أمل الدهر صحبتـه            يشقى لنفعي ويسعى سعي مجتهد
لم ألقه مذ تصاحبنا فـحـين بـدا          لناظري افترقنـا فـرقة الأبـد

قال العماد الكاتب: وكنت أتمنى أبداً لقياه وأشيم على البعد حياه حتى لقيته في صفر سنة إحدى وسبعين وسألته عن مولده، فقال: يوم الأحد السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة. قلت: بقلعة شيرز. وتوفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان سنة اربع وثمانين وخمسمائة بدمشق، رحمه الله تعالى؛ ودفن من الغد شرقي جبل قاسيون ودخلت تربته وهي على جانب نهر يزيد الشمالي، وقرأت عنده شيئا من القرآن وترحمت عليه.

وتوفي والده أبو أسامة مرشد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

وشيزر - بفتح الشين المثلثة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها زاي مفتوحة ثم راء - قلعة بالقرب من حماة وهي معروفة بهم، وسيأتي ذكرها في حرف العين عند ذكر جده علي بن مقلد، إن شاء الله تعالى.