أبو معشر المنجم

أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي المنجم المشهور؛ كان إمام وقته في فنه، وله التصانيف المفيدة في علم النجامة، منها المدخل ووالزيج والألوف وغير ذلك، وكانت له إصابات عجيبة.

رأيت في بعض المجاميع أنه كان متصلا بخدمة بعض الملوك، وأن ذلك الملك طلب رجلاً من اتباعه وأكابر دولته ليعاقبه بسبب جريمة صدرت منه، فاستخفى، وعلم أن أبا معشر يدل عليه بالطرائق التي يستخرج بها الخبايا والأشياء الكامنة، فأراد أن يعمل شيئاً لايهتدي إليه ويبعد عنه حسه فأخذ طستاً وجعل فيه دماً وجعل في الدم هاون ذهب، وقعد على الا هاون أياماً، وتطلب الملك ذلك الرجل وبالغ في التطلب، فلما عجز عنه أحضر أبا معشر وقال له: تعرفني موضعه بما جرت عادتك به، فعمل المسألة التي يستخرج بها الخبايا، وسكت زمانا حائرا، فقال له المك: ماسبب سكوتك وحيرتك؟ قال: أرى شيئا عجيباً، فقال: وما هو؟ قال: أرى الرجل المطلوب على جبل من ذهب والجبل في بحر من دم، ولا أعلم في العالم موضعاً من البلاد على هذه الصفة، فقال له: أعد نظرك وغير المسألة وجدد أخذ الطالع، ففعل ثم قال: ما أراه إلا كما ذ كرت، وهذا شيء ما وقع لي مثله، فلما أيس الملك من القدرة عليه بهذا الطريق أيضاً نادى في البلد بالأمان للرجل ولمن أخفاه، وأظهر من ذلك ما وثق به، فلما اطمأن الرجل ظهر وحضر بين يدي الملك، فسأله عن الموضع الذي كان فيه، فأخبره بما اعتمده، فاعجبه حسن احتياله في إخفاء نفسه، ولطافة أبي معشر في استخراجه.

وله غير ذلك من الإصابات.

وكانت وفاته في سنة اثنتين وسبعين ومائتين، رحمه الله تعالى.

والبلخي - بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وبعدها خاء معجمة - هذه النسبة إلى بلخ، وهي مدينة عظيمة من بلاد خراسان فتحها الأحنف بن قيس التميمي في خلافة عثمان رضي الله عنه، وهذا الاحنف هو الذي يضرب به المثل في الحلم، وسيأتي ذكره في حرف الضاد إن شاء الله تعالى.