الأسعد ابن مماتي

القاضي الأسعد أبو المكارم أسعد بن الخطير أبي سعيد مهذب بن مينا بن زكريا بن أبي قدامة ابن أبي مليح مماتي المصري الكاتب الساعر؛ كان ناظر الدواوين بالديار المصرية، وفيه فضائل، وله مصنفات عديدة ونظم سيرة السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى، ونظم كتاب كليلة ودمنة، وله ديوان شعر رأيته بخط ولده ونقلت منه مقاطيع، فمن ذلك قوله:

تعاتبني وتنهى عـن أمـرٍ

 

سبيل الناس أن ينهوك عنها

أتقدر أن تكون كمثل عيني

 

وحقك ما علي أضر منها

 

وله في شخص ثقيل رآه بدمشق:

 

حكى نهرين ما في الأر

 

ض من يحكيهما أبـدا

حكى في خلقه ثـورى

 

وفي أخلاقـه بـردى

 

وقد أخذ ابن مماتي معنى بيته هذين من قول بعضهم:

 

ضاهى ابن بشران مدينة جلق

 

فكلاهما يوم الفخـار فـريد

ألفاظه بردى، وصورة خلقـه

 

ثورى، ونقص العقل من يزيد

 

وله من جملة قصيدة طويلة:

 

لنيرانه في الـلـيل أي تـحـرقٍ

 

على الضيف إن أبطا وأي تلهب

وما ضر من يعشو إلى ضوء ناره

 

إذا هو لم ينزل بآل المـهـلـب

 

وله في غلام نحوي:

 

وأهيف أحدث لي نحـوه

 

تعجباً يعرب عن ظرفه

علامة التأنيث في لفظـه

 

وأحرف العلة في طرفه

 

ومن شعره ثلاثة أبيات مذكورة في ترجمة يحيى بن نزار المنبجي في حرف الياء، وفي شعره أشياء حسنة.


وذكره العماد الصبهاني في كتاب"الخريدة"وأورد له عدة مقاطيع، ثم أعقبه بذكر أبيه الخطير، وذكر كثيرا من شعره، فمن ذلك قوله في كتمان السر وبالغ فيه:

 

وأكتم السر حتى عن إعـادتـه

 

إلى المسر بهمن غير نـسـيان

وذاك أن لساني ليس يعـلـمـه

 

سمعي بسر الذي قد كان ناجاني

 

وقال: لقيته بالقاهرة متولي ديوان جيش الملك الناصر، وكان هو وجماعته نصارى فأسلموا في ابتداء الملك الصلاحي. وللمهذب ابن الخيمي في الأسعد ابن مماتي المذكور يهجوه:

 

وحديث الإسلام واهي الحديث

 

باسم الثغر عن ضمير خبيث

لو رأى بعض شعره سيبويه

 

زاده في علامة للتـانـيث

 

وكان الحافظ أبو الخطاب ابن دحية المعروف بذي النسبين، رحمه الله تعالى، عند وصوله إلى مدينة إربل، ورأى اهتمام سلطانها الملك المعظم مظفر الين ابن زين الدين، رحمه الله تعالى، بعمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، حسبما هو مشروح في حرف الكاف من هذا الكتاب عند ذكر اسمه، صنف له كتابا سماه التوير في مدح السراج المنير، وفي آخر الكتاب قصيدة طويلة مدح بها مظفر الدين، أولها:

 

لولا الوشاة وهـم

 

أعداؤنا ما وهموا

 

وقرأ الكتاب والقصيدة عليه، وسمعنا نحن الكتاب على مظفر الدين في شعبان سنة ست وعشرين وستمائة والقصيدة فيه، ثم بعد ذلك ريت هذه القصيدة بعينها في مجموعة منسوبة إلى الأسعد ابن مماتي المذكور، فقلت: لعل الناقل غلط، ثم بعد ذلك رأيتها في ديوان الأسعد بكمالها، مدح بها السلطان الملك الكامل، رحمه الله تعالى، فقوي الظن. ثم إني رأيت أبا البركات ابن المستوفي قد ذكر هذه القصيدة في تاريخ إربل عند ذكر ابن دحية، وقال: سألته عن معنى قوله فيها:

 

يفديه من عطا جما

 

دى كفه المحـرم

 

فما أحار جوابا، فقلت: لعله مثل قول بعضهم:

 

تسمى بأسماء الشهور فكـفـه

 

جمادى وما ضمت عليه المحرم

 

قال: فتبسم وقال: هذا أردت، فلما وقفت على هذا ترجح عندي أن القصيدة للأسعد المذكور، فإنها لو كانت لأبي الخطاب لما توقف في الجواب، وأيضاً فإن إنشاد القصيدة لصاحب إربل كان في سنة ست وستمائة. والأسعد المذكور توفي في هذه السنة كما سيأتي، وهو مقيم بحلب لاتعلق له بالدولة العادلية، وبالجملة فالله أعلم لمن هي منهما.


وكان الأسعد المذكور قد خاف على نفسه من الوزير صفي الدين بن شكر، فهرب من مصر مستخفيا وقصد مدينة حلب لائذا بجناب السلطان الملك الظاهر، رحمه الله تعالى، وأقام بها حتى توفي في سلخ جمادى الأولى سنة ست وستمائة يوم الأحد، وعمره اثنتان وستون سنة، رحمه الله تعالى، ودفن في المقبرة المعروفة بالمقام على جانب الطريق بالقرب من مشهد الشيخ علي الهروي.


وتوفي أبوه الخطير في يوم الأربعاء سادس شهر رمضان من سنة سبع وسبعين وخمسمائة.


ومينا: بكسر الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح النون وبعدها ألف.


ومماتي - بفتح الميمين والثانية منهما مشددة وبعد الألف تاء مثناة من فوقها وهي مكسورة وبعدها ياء مثناة من تحتها - وهو لقب أبي مليح المذكور وكان نصرانياً، وإنما قيل له مماتي لأنه وقع في مصر غلاء عظيم، وكان كثير الصدقة والإطعام، وخصوصاً لصغار المسلمين، فكانوا إذا رأوه ناداه كل واحد منهم مماتي، فاشتهر به، هكذا اخبرني الشيخ الحافظ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري، نفع الله به، ثم انشدني عقيب هذا القول مرثية فيه وقال: أظن هذين البيتين لأبي طاهر لان مكنسة المغربي، وهما:

 

طويت سماء المكـرمـا

 

ت وكورت شمس المديح

من ذا أؤمـل أو أرجـي

 

بعد موت أبي المـلـيح

 

ثم كشفت عنهما فوجدتهما له، فيه مدائح أيضاً وكان أبو الطاهر ابن مكنسة خصيصاً بأبي مليح مماتي جد الأسعد المذكور؛ وكان في بستانه المعروف بظاهر مصر، مجاور جامع راشدة الحاكمي، منظرته المعروفة بالنزهة ولها البئر الموصوف ماؤها بشدة البرد والحلاوة في الصيف حتى إن صاحب قصر الحكمة كان ينفذ من يأخذ من مائها لشربه، وفيها يقول ابن مكنسة من جملة قصيدة يمدحه بها ويصف المنظرة:

 

ومن عجائبها البئر التي انـفـردت

 

بالقر في الحر والأمواه تضطـرم

كأنما ماؤها فـي كـل هـاجـرة

 

ريق الحبيب عقيب الهجر وهي فم