ثعلب النحوي

أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار النحوي الشيباني بالولاء المعروف بثعلب؛ ولاؤه لمعن بن زائد الشيباني - الآتي ذكره في حرف الميم، وإن شاء الله تعالى - كان إمام الكوفيين في النحو واللغة، سمع ابن العرابي والزبيربن بكار وروى عنه الخفش الأصغر وأبو بكر ابن الانباري وأبو عمر الزاهد وغيرهم، وكان ثقة حجة صالحاً مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة والمعرفة بالعربية ورواية الشعر القديم، مقدماً عند الشيوخ منذ هو حدث، وكان ابن الأعرابي إذا شك في شيء قال له: ما تقول يا أبا العباس في هذا؟ ثقة بغزارة حفظه.

وكان يقول: ابتدأت في طلب العربية واللغة في سنة ست عشرة ومائتين، ونظرت في"حدود" الفراء وسني ثماني عشرة سنة، وبلغت خمسا وعشرين سنة وما بقيت علي مسألة للفراء إلا وأنا أحفظها.

وقال أبو بكر ابن مجاهد المقرى: قال لي ثعلب: يا أبا بكر، اشتغل أصحاب القرآن بالقرآن ففازوا، واشتغل أصحاب الحديث بالحديث ففازوا، واشتغلة أصحاب الفقه بالفقه ففازوا، واشغل ة أنا بزيد وعمرو، فليت شعري ماذا يكون حالي في الآخرة؟ فانصرفت من عنده، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في المنام، فقال لي: أقرىء أبا العباس عن السلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل، قال أبو عبد الله الروذباري العبد الصالح: أراد أن الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل، وأن جميع العلوم مفتقرة إليه.

وقال أبو عمر الزاهد المعروف بالمطرز: كنت في مجلس أبي العباس ثعلب فسأله سائل عن شيء فقال: لاأدري، فقال له: أتقول لا أدري وإليك تضرب أكباد الإبل، وإليك الرحلة من كل بلد؟ فقال له أبو العباس: لوكان لأمك بعدد مالاأدري بعر لاستغنت.

وصنف كتاب الفصيح وهو صغير الحجم كثير الفائدة، وكان له شعر، وقال أبوبكر ابن القاسم الأنباري في بعض أماليه: أنشدني ثعلب، ولا أدري هل هي له أو لغيره:

إذا كنت قوت النفس ثم هجرتهـا

 

فكم تلبث النفس التي أنت قوتهـا

ستبقى بقاء الضب في الماء أو كما

 

يعيش ببيداء المهامة حـوتـهـا

قال ابن الأنباري: وزادنا أبو الحسن ابن البراء فيها:

أغرك مني أن تصبرت جاهـداً

 

وفي النفس مني منك ماسيميتها

فلو كان مابي بالصخور لهدهـا

 

وبالريح ما هبت وطال خفوتها

فصبراً لعل الله يجمع بـينـنـا

 

فأشكو هموماً منك فيك لقيتهـا

وولد في سنة مائتين لشهرين مضيا منها، قاله ابن القراب في تاريخه، وقيل: سنة أربع ومائتين، وقيل: إحدى ومائتين، والذي يدل على انه ولد في سنة مائتين انه قال: رأيت المأمون لما قدم من خراسان في سنة أربع ومائتين وقد خرج من باب الحديد يريد الرصافة والناس صفان، فحملني أبي على يده وقال: هذا المأمون، وهذه سنة أربع، فحفظت ذلك عنه إلى الساعة وكان سني تقديرا يومئذ أربع سنين.
وتوفي يوم السبت لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الاولى، وقيل: لعشر خلون منها سنة إحدى وتسعين ومائتين ببغداد، ودفن بمقبرة باب الشام، رحمه الله تعالى، وكان سبب وفاته أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر، وكان قد لحقه صمم لايسمع إلا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق فصدمته فرس فألقته في هوة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فحمل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوه من رأسه، فمات ثاني يوم.

 وجده سيار: بفتح السين المهملة وتشديد الياء المثناة من تحتها وبعد اللف راء مهملة.

والشيباني - بفتح الشين المثلثة وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الباء الموحدة وبعد الألف نون - نسبة إلى شيبان: حي من بكر بن وائل، وهما شيبانان: أحدهما سيبان بن ثعلبة بن عكابة، والآخر شيبان بن ذهل بن ثعلبة ابن عكابة، وشيبان الأعلى عم شيبان الأسفل.

ومن تصانيفه كتاب المصون واختلاف النحوين ومعاني القرآن وماتلحن فيه العامة والقراءات ومعاني الشعر والتصغير وما ينصرف وما لا ينصرف وما يجرى وما لا يجرى والشواذ والأمثال والإيمان والوقف والابتداء والأفاظ والهجاء والمجالس والأوسط وإعراب القرآن والمسائل وحد النحو وغير ذلك.