ابن الحجاج الشاعر

أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج؛ الكاتب الشاعر المشهور ذو المجون والخلاعة والسخف في شعره، كان فرد زمانه في فنه، فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة، مع عذوبة الألفاظ وسلامة شعره من التكلف، ومدح الملوك والأمراء والوزراء والرؤساء، وديوانه كبير، أكثر ما يوجد في عشر مجلدات، والغالب عليه الهزل، وله في الجد أيضاً أشياء حسنة.

وتولى حسبة بغداد وأقام بها مدة، ويقال: إنه عزل بأبي سعيد الإصطخري ا لفقيه الشافعي، وله في عزله أبيات مشهورة لا حاجة إلى إثباتها ها هنا.

ويقال: إنه في الشعر في درجة امرئ القيس، وإنه لم يكن بينهما مثلهما لأن كل واحد منهما مخترع طريقة.

وقد أفرد أبو الحسن الموسوي المعروف بالرضي من شعره في المديح والغزل وغيرهما ما جانب السخف، وكان شعراً متخيراً حسناً جيداً ومن جيد شعره وجده هذه الأبيات:

يا صاحبي استيقظا مـن رقـدة

 

تزري على عقل اللبيب الأكيس

هذي المجرة والنجوم كأنـهـا

 

نهر تدفق في حديقة نرجـس

وأرى الصبا قد غلست بنسيمهـا

 

فعلام شرب الراح غير مغلس

قوما اسقياني قـهـوة رومـية

 

من عهد قيصر دنها لم يمـس

صرفا تضيف إذا تسلط حكمهـا

 

موت العقول إلى حياة الأنفس

 

وأورد له أيضاً:

 

نمت بسري في الهوى أدمعي

 

ودلت الواشي على موضعي

يا معشر العشاق إن كنـتـم

 

مثلي وفي حالي فموتوا معي

 

وأورد له أيضاً:

 

يا من إليها من ظلمها الهرب

 

ردي فؤادي فقل ما يجـب

ردي حياتي إن كنت منصفة

 

ثم إليك الرضا أو الغضـب

طلبت قلبي فلم أفـتـك بـه

 

سبحان من لا يفوته الطلب

 

ومن شعره:

 

قال قوم لزمت حضرة حمـد

 

وتجنبت سـائر الـرؤسـاء

قلت ما قاله الذي أحرز المع

 

نى قديماً قبلي من الشعـراء

"يسقط الطير حيث يلتقط الحب

 

وتغشى منازل الـكـرمـاء"

 

وهذا البيت الثالث لبشار بن برد، وقد ضمنه شعره.


وأورد له ايضاً في الورد:

 

جنى في البستان لي وردة

 

أحسن من إنجازه وعدي

وقال والوردة في كـفـه

 

من قدح أذكى من النـد

اشرب هنيئاً لك يا عاشقي

 

ريقي من كفي على خدي

 

ودعي ابن الحجاج إلى دعوة وتأخر عنه الطعام قليلاً فقال:

 

يا ذاهباً فـي داره جـائياً

 

بغير معنى وبـلا فـائدة

قد جن أضيافك من جوعهم

 

فاقرأ عليهم سورة المائدة

 

ومثل هذا ما ذكره أبو الفرج الأصبهاني في كتاب "الأغاني" قال: دعانا أبو محمد ابن الشاب يوماً ودعا جحظة البرمكي وأطال حبس الطعام جداً، وجاع جحظة فأخذ دواة وقرطاساً وكتب:

 

ما لي وللـشـاب وأولاده

 

لا قدس الوالد والـوالـده

قد حفظوا القرآن واستعملوا

 

ما فيه إلا سورة المـائدة

ورمى بها إلي فقرأتها ودفعتها إلى ابن الشاب فقرأها ووثب مسرعاً وقدم الطعام وأكلنا وانصرفنا وقطعة جحظة بعد ذلك، فكان يجهد جهده في أن يجيبه فلا يفعل، فإذا عاتبناه قال: حتى يحفظ تلك السورة.

وكانت وفاة ابن الحجاج يوم الثلاثاء السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وثلثمائة بالنيل، وحمل إلى بغداد، رحمه الله تعالى، ودفن عند مشهد موسى بن جعفر، رضي الله عنه. وأوصى أن يدفن عند رجليه، وأن يكتب على قبره "وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد".

وكان من كبار الشعراء الشيعة، ورآه بعد موته بعض أصحابه في المنام، فسأله عن حاله، فأنشد:  

أفسد سوء مـذهـبـي

 

في الشعر حسن مذهبي

وحملي الجـد عـلـى

 

ظهر حصان اللـعـب

لم يرض مولاي علـي

 

سبي لأصحاب النبـي

وقـال لـي ويحـك يا

 

أحمق لـم لـم تـتـب

من سب قوم من رجـا

 

آلاءهـم لـم يخــب

رمت الرضا جهلاً بمـا

 

أصلاك نار اللـهـب

 

ورثاه الشريف الرضي بقصيدة من جملتها:

 

نعوه على حسن ظنـي بـه

 

فلله ماذا نعي الـنـاعـيان

رضيع ولاء لـه شـعـبة

 

من القلب مثل رضيع اللبان

وما كنت أحسب أن الزمان

 

يفل مضارب ذاك اللسـان

بكيتك للشـرد الـسـائرات

 

تعنق ألفاظها بالمـعـانـي

ليبك الزمان طويلاً عـلـيك

 

فقد كنت خفة روح الزمان

والنيل-بكسر النون وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام-وهي بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم، والأصل فيه نهر حفرة الحجاد بن يوسف في هذا المكان ومخرجه من الفرات وسماه باسم نيل مصر، وعليه قرى كثيرة.