الوزير المغربي

أبو القاسم الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن يوسف بن بحر بن بهرام ابن المرزبان بن ماهان بن باذان بن ساسان بن الحرون بن بلاش بن جاماس ابن فيروز بن يزدجر بن بهرام جور المعروف بالوزير المغربي؛ ورأي جماعة من أهل الأدب يقولون: إن أبا علي هارون بن عبد العزيز الأوارجي الذي مدحه المتنبي بقصيدته التي أولها:

أمن ازديارك في الدجى الرقباء

 

إذ حيث كنت من الظلام ضياء

 

خاله، ثم إني كشفت عنه فوجدت المذكور خال أبيه، وأما هو فأمه بنت محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني، ذكره في "أدب الخواص". وكانت وفاة الأوارجي المذكور في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثلثمائة.


والوزير أبو القاسم المغربي المذكور هو صاحب الديوان: الشعر والنثر، وله "مختصر إصلاح المنطق" وكتاب "الإيناس"، وهو مع صغر حجمه كثير الفائدة ويدل على كثرة اطلاعه، وكتاب "أدب الخواص" وكتاب "المأثور في ملح الخدور" وغير ذلك.


وجدت في بعض المجاميع ما صورته: وجد بخط والد الوزير المعروف بالمغربي على ظهر "مختصر إصلاح المنطق" الذي اختصره ولده الوزير ما مثاله: "ولد-لسمه الله تعالى، وبلغه مبالغ الصالحين-أول وقت طلوع الفجر من ليلة صباحها يوم الأحد الثالث عشر من ذي الحجة سنة سبعين وثلثمائة، واستظهر القرآن العزيز وعدة من الكتب المجردة في النحو واللغة ونحو خمسة عشر ألف بيت من مختار الشعر القديم، ونظم الشعر وتصرف في النثر وبلغ من الخط إلى ما يقصر عن نظراؤه، ومن حساب المولد والجبر والمقابلة إلى ما يستقل بدونه الكاتب، وذلك كله قبل استكماله أربع عشرة سنة. واختصر هذا الكتاب، فتناهى في اختصاره وأوفى على جميع فوائده حتى لم يفته شيء من ألفاظه، وغير من أبوابه ما أوجب التدبير تغييره للحاجة إلى الاختصار، وجمع كل نوع إلى ما يليق به. ثم ذكرت له نظمه بعد اختصاره فابتدأ به، وعمل منه عدة أوراق في ليلة، وكان جميع ذلك قبل استكماله سبع عشرة سنة، وأرغب إلى الله سبحانه في بقائه ودوام سلامته". انتهى كلام والده.


ومن شعر الوزير المذكور:

 

أقول لها والعيس تحدج لـلـسـرى

 

أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر

سأنفق ريعـان الـشـبـيبة آنـفـاً

 

على طلب العلياء أو طلب الأجـر

أليس من الـخـسـران أن لـيالـياً

 

تمر بلا نفع وتحسب من عـمـري

 

ومن شعره أيضاً:

 

أرى الناس في الدنيا كراع تنكرت

 

مراعيه حتى ليس فيهن مرتـع

فماء بلا مرعى ومرعى بغير ما

 

وحيث ترى ماء ومرعى فمسبع

 

وله في غلام حسن الوجه حلق شعره:

 

حلقوا شعره ليكسوه قبحا

 

غيرة منهم عليه وشحـا

كان صبحاً عليه ليل بهيم

 

فمحوا ليله وابقوه صبحا

 

ومن شعره أيضاً:

 

إني أبشـك عـن حـدي

 

ثي والحديث له شجـون

غيرت موضع مـرقـدي

 

ليلاً ففارقني السـكـون

قل لـي فـأول لـــيلة

 

في القبر كيف ترى أكون

 

 ولما ولد للوزرير المذكور ولده أبو يحيى عبد الحميد كتب إليه أبو عبد الله محمد بن أحمد صاحب ديوان الجيش بمصر أبياتاً منها:

 

قد أطلع الفأل منه معنى

 

يدركه العالم الـذكـي

رأيت جد الفتى عـلـياً

 

فقلت جد الفتى علـي

 

وكان الوزير المذكور من الدهاة العارفين وكان خبيث الباطن، إذا دخل عليه الفقيه سأله عن النحو وإذا دخل عليه النحوي سأله عن الفقه والفرائض.


ولما قتل الحاكم صاحب مصر أباه وعمه وأخويه، وهرب الوزير وصل إلى الرملة، واجتمع بصاحبها المتغلب عليها حسان بن مفرج بن دغفل بن الجراح الطائي وبنيه وبني عمه، وأفسد نياتهم على الحاكم صاحب مصر المذكور.


ثم توجه إلى الحجاز، وأطمع صاحب مكة في الحاكم ومملكة الديار المصرية، وعمل في ذلك عملاً قلق الحاكم بسببه وخاف على ملكه، وقصته في ذلك طويلة إلى أن أرضى الحاكم بني الجراح ببذل الأموال لهم، واستمالهم إليه.


وكان صاحب مكة-وهو أبو الفتح الحسن بن جعفر العلوي-قد استدعوه ووصل إليهم وبايعوه بالخلافة ولقبوه بالرشيد بتدبير أبي القاسم المذكور، فلم يزل الحاكم يعمل الحيل حتى استمال بني الجراح إليه، وانتقض أمر أبي الفتوح وهرب إلى مكة.


وقصد الوزير أبو القاسم العراق هارباً من الحاكم ومفارقاً لبني الجراح، وقصد فخر الملك أبا غالب ابن خلف الوزير، ورفع خبره إلى الإمام القادر بالله فاتهمه أنه ورد لإفساد الدولة العباسية، وراسل فخر الملك في إبعاده، فاعتذر عنه فخر الملك وقام في أمره. واتفق انحدار فخر الملك من بغداد إلى واسط، فأخذ أبا القاسم في جملته، وأقام معه بواسط على جملة من الرعاية، إلى أن توفي فخر الملك مقتولاً، وشرع الوزير أبو القاسم في استعطاف قلب الإمام القادر بالله والتنصل مما نبذل به، حتى صلح له بعض الصلاح، وعاد إلى بغداد وأقام قليلاً، ثم أصعد إلى الموصل.


واتفق موت أبي الحسن ابن أبي الوزير كاتب معتمد الدولة أبي المنيع قرواش أمير بني عقيل، فتقلد كتابته موضعه، ثم شرع أبو القاسم يسعى في وزارة الملك مشرف الدولة البويهي، ولم يزل يعمل السعي إلى أن قبض على الوزير مؤيد الملك أبي علي، فكوتب الوزير أبو القاسم بالحضور من الموصل إلى الحضرة، وقلد الوزارة من غير خلع ولا لقب ولا مفارقة الدراعة، وأقام كذلك حتى جرى من الأحوال ما أوجب مفارقة مشرف الدولة بغداد، فخرج معه منها وقصدا أبا سنان غريب بن محمد بن مقن ونزلا عليه وأقاما بأوانا. وبينا هو على ذلك إذ عرض له إشقاق من مخدومه مشرف الدولة دعاه إلى مفارقته، فانتقل بعد ذلك إلى أبي المنيع قرواش بالموصل، وأقام عنده، ثم تجدد من سوء رأي الإمام القادر فيه ما ألجأته الضرورة بسبب ما كوتب به قرواش وغريب في معناه إلى مفارقته والإبعاد عنه، وقصد أبا نصر ابن مروان بميافارقين وأقام عنده على سبيل الضيافة إلى أن توفي، وقيل: إنه لما توجه إلى ديار بكر وزر لسلطانها أحمد بن مروان المقدم ذكره، فأقام عنده إلى أن توفي في ثالث عشر شهر رمضان سنة ثماني عشرة وأربعمائة، وقيل: ثمان وعشرين، والأول أصح، وكانت وفاته بميافارقين، وحمل إلى الكوفة بوصية منه، وله في ذلك حديث يطول شرحه، ودفن بها في تربة مجاورة لمشهد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأوصى أن يكتب على قبره:

 

كنت في سفرة الغواية والجه

 

ل مقيماً فحان منـي قـدوم

تبت من كل مأثم فعسـى يم

 

حى بهذا الحديث ذاك القديم

بعد خمس وأربعين، لقد مـا

 

طلت، إلا أن الغريم كـريم

 

وكان قتل أبيه وعمه وأخويه في الثالث من ذي القعدة سنة أربعمائة، رحمهم الله تعالى.


ورأيت في بغض المجاميع أنه لم يكن مغربياً، وإنما أحد أجداده، وهو أبو الحسن علي بن محمد كانت له ولاية في الجانب الغربي ببغداد، وكان يقال له: المغربي، فأطلق عليهم هذه النسبة، ولقد رأيت خلقاً كثيراً يقولون هذه المقالة، ثم بعد ذلك نظرت في كتابه الذي سماه "أدب الخواص" فوجدت في أوله "وقد قال المتنبي: وإخواننا المغاربة يسمونه المتنبه، فأحسنوا":

 

أتى الزمان بنوه في شبيبته

 

فسرهم وأتيناه على الهرم

 

فهذا يدل على أنه مغربي حقيقة لا كما قالوه، والله أعلم. ثم أعاد هذا القول بعينه لما ذكر النابغة الجعدي وشعره وأنشد عنده قول المتنبي:

 

وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه

 

ولو أن ما في الوجه منه حراب

ونقلت نسبه المذكور في الأول من خط أبي القاسم علي بن منجب بن سليمان المعروف بابن الصيرفي المصري صاحب الرسائل، وذكر أنه منقول من خط الوزير المذكور، والله أعلم بصحته.