شرف الدين ابن منعة

أبو الفضل أحمد ابن الشيخ العلامة كمال الدين أبي الفتح موسى ابن الشيخ رضي الدين أبي الفضل يونس بن محمد بن منعة بن مالك بن محمد بن سعد بن سعيد بن عاصم بن عائد بن كعب بن قس بن إبراهيم الإربلي الأصل، من بيت الرياسة والفضل والمقدمين بإربل، الفقيه الشافع الملقب شرف الدين؛ كان إماماً كبيراً فاضلاً عاقلاً حسن السمت جميل المنظر. شرح كتاب التنبيه في الفقه وأجاد شرحه، واختصر إحياء علوم الدين للإمام الغزالي مختصرين: كبيراً وصغيراً، وكان يلقي في جملة دروسه من كتاب الإحياء درساً حفظاً، وكان كثيرالمحفوظات غزير المادة، وهو من بيت العلم - وسيأتي ذكر أبيه وعمه وجده، رحمهم الله تعالى، في مواضعهم - ونسج على منوال والده في التفنن في العلوم، وتخرج عليه جماعة كبيرة، وتولى التدريس بمدرسة الملك المعظم مظفر الدين بن زين الدين صاحب إربل، رحمه الله تعالى، بمدينة إربل بعد والدي رحمه الله تعالى، وكان وصله إليها من الموصل في أوائل شوال سنة عشر وستمائة، وكانت وفاة الوالد ليلة الاثنين الثاني والعشرين من شعبان من السنة المذكورة.

و كنت أحضر دروسه وأنا صغير، وما سمعت أحدا يلقي الدروس مثله، ولم يزل على ذلك إلى أن حج، ثم عاد وأقام قليلاً، ثم انتقل إلى الموصل في سنة سبع عشرة وستمائة، وفوضت إليه المدرسة القاهرية، وأقام بها ملازماً لاشتغال والإفادة إلى أن توفي يوم الإثنين الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وستمائة.

وكانت ولادته أيضاً بالموصل سنة خمس وسبعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

ولقد كان من محاسن الوجود، وما أذكره إلا وتصغر الدنيا في عيني، ولقد أفكرت فيه مرة فقلت: هذا الرجل عاش مدة خلافة الإمام الناصر لدين الله أبي العباس أحمد فإنه ولي الخلافة في سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وهي السنه التي ولد فيها شرف الدين المذكور، وماتا في سنة واحدة، وكان مبدأ شروعه في شرح التنبيه بإربل، واستعار منا نسخة التنبيه عليها حواش مفيدة بخط بعض الأفاضل، ورأيته بعد ذلك وقد نقل الحواشي كلها في شرحه.

و الفاضل الذي كانت النسخة والحواشي بخطه هو الشيخ رضي الدين أبو داود سليمان بن المظفر بن غانم بن عبد الكريم الجيلي الشافعي المفتي بالمدرسة النظامية ببغداد وكان من أكابر فضلاء عصره، وصنف كتاباً في الفقه يدخل في خمس عشرة مجلدة، وعرضت عليه المناصب فلم يفعل، وكان متديناً. وتوفي يوم الإربعاء لثلاث خلون من شهر ربيع الأول من سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ودفن بالشونيزية، وكان قد نيف على ستين سنة، رحمه الله تعالى، وكان قدومه بغداد من بلاده للاشتغال بعد سنة ثمانين وخمسمائة.

رجعنا إلى الأول: وكان اشتغال شرف الدين المذكور على أبيه بالموصل ولم يتغرب لأجل الاشتغال، وكان الفقهاء يقولون: نعجب منه كيف اشتغل في وطنه وبين أهله وفي عزه واشتغاله بالدنيا، وخرج منه وما خرج، ولو شرعت في وصف محاسنه لأطلت، وفي هذا القدر كفاية.