البارع الدباس

أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحسين بن عبيد الله بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب الوزير الحارثي من بني الحارث ابن كعب بن عمرو الدباس البدري المنعوت بالبارع الشاعر المشهور الأديب النديم البغدادي؛ كان نحوياً لغوياً مقرئاً حسن المعرفة بصنوف الآداب، وأفاد خلقاً كثيراً، خصوصاً بإقراء القرآن الكريم.

وهو من بيت الوزارة، فإن جده القاسم كان وزير المعتضد والمكتفي بعده وهو الذي سم ابن الرومي الشاعر-كما سيأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى-وعبيد الله كان وزيراً أيضاً، وسليمان بن وهب الوزير تغني شهرته عن ذكره-وستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى-.

والبارع المذكور من أرباب الفضائل، وله مصنفات حسان وتواليف غريبة، وديوان شعر جيد، وكان بينه وبين الشريف أبي يعلى ابن الهبارية مداعبات لطيفة، فإنهما كانا رفيقين ومتحدين في الصحبة، فاتفق أن البارع المذكور تعلق بخدمة بعض الأمراء، وحج، فلما عاد حضر الشريف إليه مراراً فلم يجده، فكتب إليه قصيدة طويلة دالية يعاتبه فيها إلى أنه تغير عليه بسبب الخدمة، وأولها:

 

يا ابن ودي وأين مني ابن ودي

 

غيرت طرفه الرياسة بعدي

 

ولولا ما أودعها من السخف والفحش لذكرتها، فكتب إليه البارع المذكور جوابها، وأطال فيها، وضمنها أيضاً شيئاً من الفحش، وأولها:

 

وصلت رقعة الشريف أبـي يع

 

لى فحلت محل لقـياه عـنـدي

فتلقيتـهـا بـأهـلاً وسـهـلاً

 

ثم ألصقتها بطـرفـي وخـدي

وفضضت الختام عنها فما ظـن

 

ك بالصاب إذ يشاب بـشـهـد

بين حلو من الـعـتـاب ومـر

 

هو أولـى بـه وهـزل وجـد

وتجن علـي مـن غـير جـرم

 

بملام يكـاد يحـرق جـلـدي

يدعي أنني حـجـبـت وقـد زا

 

ر مراراً، حاشاه من قـبـح رد

ثم دع ذا، ما للـرياسة والـحـج

 

أبن لي من حل أنـف وعـقـد

فماذا علـمـت بـالـلـه أنـي

 

قد تنكرت أو تغـير عـهـدي

من ترانـي: أعـامـل أم وزي

 

لأمير أم عـارض لـلـجـنـد

أنا إلا ذاك الخـلـيع الـذي تـع

 

رف أرضى ولو بجـرة دردي

وإذا صح لي مـلـيح فـذاك ال

 

يوم عيدي وصاحب الدست عبدي

أتراني لو كنت في النار مع هـا

 

مان أنساك في جنان الـخـلـد

أو لو أني عصبت بالتاج أسـلـو

 

ك ولو كنت عانياً فـي الـقـد

أنا أضعاف ما عهدت على العـه

 

د وإن كنت لا تـجـازي بـود

ومنها:

أم لأني من سـائر الـنـا

 

س بفرد بين الأكارم فـرد

صان وجهي عن اللئام وأولا

 

ني جميلاً منه إلى غير حد

فتعففت واقتنعت بتـدفـي

 

ع زماني وقلت إني وحدي

لا لأني أنفت مع ذا من الكد

 

يه، أين الكرام حتى أكدي

 

ونقتصر من هذه القصيدة على هذه الأبيات، ففيها سخف لا يليق ذكره وغيره مما لا حاجة إليه.


ومن شعره أيضا:

 

أفنيت ماء الوجه من طول ما

 

أسأل من لا ماء في وجهـه

أنهي إليه شرح حالي الـذي

 

يا ليتني مت ولـم أنـهـه

فلم ينلنـي كـرمـا رفـده

 

ولم أكد أسلم من جـبـهـه

والموت من دهر نحـاريره

 

ممتدة الأيدي إلى بـلـهـه

 

وأورد له الحظيري في كتاب "زينة الدهر" وذكر أنه نقلها من خطه وذكر أنه قال هذه القصيدة بمكة في سنة 472

 

ذكر الأحباب والـوطـنـا

 

والهوى والإلف والسكنـا

فبكى شجـواً وحـق لـه

 

مدنف بالشوق حلف ضنى

أبعدت مرمى يد رجمـت

 

من خراسان به اليمـنـا

خلست من بين أضلـعـه

 

بالنوى قلباً له ضـمـنـا

من لمـشـتـاق يمـيلـه

 

ذات سجع ميلت فـنـنـا

كلما هاج الـهـديل بـه

 

طرباً هاجت له شجـنـا

لم تعرض بالحنين بـمـن

 

مسـعـد إلا وقـال أنـا

لك يا ورقاء أسـوة مـن

 

لم تذيقي جفنه الوسـنـا

بك أنسي مثل أنسـك بـي

 

فتعالي نبد مـا كـمـنـا

نتشاكـى مـا نـجـن إذا

 

نحت شجواً صحت واحزنا

غير أني منـك أعـدل إن

 

عاد سري في الهوى علنا

أنا لا أنت البـعـيد هـوى

 

أنا لا أنت الغريب هـنـا

أنا فـرد يا حـمـام وهـا

 

أنت وألإلف القرين ثـنـا

أنصفونا يا بنـي حـسـن

 

ليس هذا منكم حـسـنـا

كم أحلت محـرمـاتـكـم

 

بالعيون النجل أنفـسـنـا

نحن وفد اللـه عـنـدكـم

 

ما لكم جـيرانـه ولـنـا

لم يجرنا مـنـكـم حـرم

 

من أتاه خـائفـاً أمـنـا

وكانت ولادته في العاشر من صفر سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ببغداد. وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة، وقيل الأولى، سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وكان قد عمي في آخر عمره، رحمه الله تعالى.

والدباس-بفتح الدال المهملة وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف سين مهملة-وهذا يقال لمن يعمل الدبس أو يبيعه.

والبدري-بفتح الباء الموحدة وسطون الدال المهملة وبعدها راء-هذه النسبة إلى البدرية، وهي محلة ببغداد المحروسة وكان البارع المذكور يسكنها فنسب إليها.