أبو عبد الله الشيعي

أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن زكريا المعروف بالشيعي القائم بدعوة عبيد الله المهدي جد ملوك مصر؛ وقصته في القيام بالغرب مشهورة، وله بذلك سيرة مسطورة، وسيأتي في حرف العين عند ذكر المهدي عبيد الله طرف من أخباره إن شاء الله تعالى.

وأبو عبد الله المذكور من أهل صنعاء اليمن، وكان من الرجال الدهاة الخبيرين بما يصنعون، فإنه دخل إفريقية وحيداً بلا مال ولا رجال، ولم يزل يسعى إلى أن ملكها، وهرب ملكها أبو مضر زيادة الله آخر ملوك بني الأغلب منه إلى بلاد المشرق وهلك هناك، وحديثه يطول.

ولما مهد القواعد للمهدي ووطد له البلاد وأقبل المهدي من المشرق، وعجز عن الوصول إلى أبي عبد الله المذكور، وتوجه إلى سجلماسة، وأحس به صاحبها اليسع آخر ملوك بني مدرار، فأمسكه واعتقله، ومضى إليه أبو عبد الله وأخرجه من الاعتقال وفوض إليه أمر المملكة-اجتمع به أخوه أبو العباس أحمد، وكان هو الأكبر، أعني أحمد، وندمه على ما فعل، وقال له: تكون أنت صاحب البلاد والمستقل بأمورها وتسلمها إلى غيرك وتبقى من جملة الأتباع، وكرر عليه القول، فندم أبو عبد الله على ما صنع واضمر الغدر، واستشعر منهما المهدي، فدس عليهما من قتلهما في ساعة واحدة، وذلك في منتصف جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين بمدينة رقادة بين القصرين، رحمهما الله تعالى.

والشيعي-بكسر الشين المعجمة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها عين مهملة-هذه النسبة إلى من يتولى شيعة الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.

ورقادة-بفتح الراء وتشديد القاف وبعد الألف دال مهملة وبعد الدال هاء ساكنة-مدينة من أعمال القيروان من بلاد إفريقية.

وأما زيادة الله فقد ذكره الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" فقال: هو أبو مضر زيادة الله بن عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب ابن إبراهيم بن سالم بن عقال بن خفاجة، وهو زيادة الله الأصغر، آخر ملوك بني الأغلب بإفريقية، التميمي، وقال: قدم دمشق سنة اثنتين وثلثمائة مجتازاً إلى بغداد حين غلب على ملكه بإفريقية، ثم قال في آخر الترجمة: بلغني أن زيادة الله توفي بالرملة في سنة أربع وثلثمائة في جمادى الأولى منها، ودفن بالرملة، فساخ قبره فسقف عليه وترك مكانه، وهو من ولد الأغلب بن عمرو المازني البصري، وكان الرشيد ولى عمراً المغرب بعد أن مات إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، فما زال بالمغرب إلى أن توفي وخلف ولده الأغلب ثم أولاده إلى أن صار الأمر إلى زيادة الله هذا.
انتهى ما ذكره ابن عساكر.

وفي ترجمة أبي القاسم علي بن القطاع اللغوي هذا النسب، وبينهما اختلاف قليل، لكني نقلته على ما وجدته في الموضعين.

وقال غير ابن عساكر: توفي أبو مضر زيادة الله بن محمد بن إبراهيم بن الأغلب بالرقة، وحمل تابوته إلى القدس الشريف، ودفن بها في سنة ست وتسعين ومائتين، وكانت مدة مملكته إلى أن خرج عن القيروان خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة عشر يوماً. وكان سبب خروجه من القيروان أن أبا عبد الله الشيعي المذكور لما هزم إبراهيم بن الأغلب، بلغ الخبر زيادة الله المذكور فشد أمواله وأخذ خواص حرمه وخرج من رقادة ليلاً، وبعد خروجه بويع إبراهيم بن الأغلب. وكانت مملكة بني الأغلب مائتي سنة واثنتي عشرة سنة وخمسة أشهر وأربعة عشر يوماً، والشرح في ذلك يطول فاختصرته.