حماد عجرد

أبو عمرو-وقيل أبو يحيى-حماد بن عمر بن يونس بن كليب الكوفي-وقيل الواسطي-مولى بني سوأة بن عامر بن صعصعة المعروف بعجرد الشاعر المشهور؛ هو من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، ولم يشتهر إلا في العباسية، ونادم الوليد بن يزيد الأموي، وقدم بغداد في أيام المهدي، وقال علي بن الجعد: قدم علينا في أيام المهدي هؤلاء القوم: حماد عجرد ومطيع بن إياس الكناني ويحيى بن زياد، فنزلوا بالقرب منا فكانوا لا يطاقون خبثاً ومجانة.

وهو من الشعراء المجيدين، وبينه وبين بشار بن برد أهاج فاحشة، وله في بشار كل معنى غريب، ولولا فحشها لذكرت شيئاً منها، وكان بشار يضج منه، وقال بشار في حماد:

إذا جئته في الحي أغلق بابـه

 

فلم تلقه إلا وأنـت كـمـين

فقل لأبي يحيى متى تبلغ العلا

 

وفي كل معروف عليك يمين

 

وفيه يقول بشار أيضاً:

 

نعم الفتى لو كان يعـبـد ربـه

 

ويقيم وقت صلاتـه حـمـاد

وابيض من شرب المدامة وجهه

 

وبياضه يوم الحسـاب سـواد

 

وكان يبري النبل، وقيل إن أباه كان يبري النبل، وإنه هو لم يتعاط شيئاً من الصنائع. وكان ماجناً ظريفاً خليعاً متهماً في دينه بالزندقة؛ يحكى أنه كانت بينه وبين أحد الأثمة الكبار-وما يليق التصريح بذكر اسمه -مودة، ثم تقاطعا، بلغه عنه أنه يتنقصه، فكتب إليه:

 

إن كان نـسـكـك لا يتـم

 

بغير شتمي وانتقـاصـي

فاقعد وقسم بي كيف شـئ

 

ت مع الأداني والأقاصـي

فلـطـالـمـا زكـيتـي

 

وأنا المصر على المعاصي

أيام نأخـذهـا ونـعـط

 

ي في أباريق الرصاص

 

ومن شعره أيضاً:

 

فأقسمت لو أصبحت في قبضة الهـوى

 

لأقصرت عن لومي وأطنبت في عذري

ولكن بـلائي مـنـك أنـك نـاصـح

 

وأنـك لا تـدري بـأنـك لا تــدري

 

وذكر ابن قتيبة في كتاب "طبقات الشعراء" قال: كان في الكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون: حماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان النحوي، وكانوا يتعاشرون وكانوا كلهم يرمون بالزندقة.


وقيل إن حماد عجرد أهدى إلى مطيع بن إياس غلاماً وكتب معه: قد أهديت إليك من يتعلم عليه كظم الغيظ.


ولما أقعد حماد عجرد لتأديب ولد الأمين قال بشار بن برد:

 

قل للأمين جزاك الـلـه صـالـحة

 

لا تجمع الدهر بين السخل والـذيب

فالسخل يعـلـم أن الـذئب آكـلـه

 

والذئب يعلم ما في السخل من طيب

 

وقال أيضاً:

 

يا أبا الفضل لا تنـم

 

وقع الذئب في الغنم

إن حماد عـجـرد

 

شيخ سوء قد اغتلم

بين فخذيه حـربـه

 

في غلاف من الأدم

إن رأى ثم غـفـلة

 

محج الميم في القلم

 

فشاعت الأبيات، فأمر الأمين أن يخرج حماد.


ومن شعر حماد عجرد:

 

إن الكريم ليخفي عنك عسرتـه

 

حتى تراه غنياً وهو مجهـود

وللبخيل على أموالـه عـلـل

 

زرق العيون عليها أوجه سود

إذا تكرهت أن تعطي القليل ولم

 

تقدر على سعة لم يظهر الجود

بث النوال ولا يمنعك قـلـتـه

 

فكل ما سد فقراً فهو محمـود

 

وأشعاره وأخباره مشهورة وتوفي في سنة إحدى وستين ومائة، رحمه الله تعالى. وقيل: كان من أهل واسط، وقتله محمد بن سليمان بن علي عامل البصرة بظاهر الكوفة على الزندقة في سنة خمس وخمسين ومائة، وقيل: خرج من الأهواز يريد البصرة، فمات في طريقه، فدفن على تل هناك، وقيل: مات سنة ثمان وستين ومائة.


ولما قتل المهدي بشار بن برد المقدم ذكره بالبطيحة، حمل ودفن على حماد عجرد، فمر على قبريهما أبو هشام الباهلي، فكتب عليهما:

قد اتبع الأعمى قفا عجـرد

 

فأصبحا جـارين فـي دار

صارا جميعاً في يدي مالك

 

في النار، والكافر في النار

قالت بقاع الأرض لا مرحباً

 

بقرب حـمـاد وبـشـار

وعجرد-بفتح العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء وبعدها دال مهملة-وهو لقب عليه، وإنما قيل له ذلك لأنه مر به أعرابي وهو غلام يلعب مع الصبيان في يوم شديد البرد وهو عريان، فقال له: لقد تعجردت يا غلام، والمتعجرد: المتعري.

والمخضرم-بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء وبعدها ميم-أصل هذه اللفظة أن تطلق على الشاعر الذي أدرك الجاهلية والإسلام مثل لبيد والنابغة الجعدي وغيرهما، ثم توسع فيها حتى صارت تطلق على من أدرك دولتين، وسمع في ذلك أيضاً محضرم بالحاء المهملة وسمع بكسر الراء أيضاً.