خير النساج

أبو الحسن خير بن عبد الله النساج الصوفي؛ من أهل سر من رأى، نزل بغداد وكان له حلقة يتكلم فيها؛ وكان قد صحب أبا حمزة محمد بن إبراهيم الصوفي وغيره، وصحب الجنيد بن محمد وأبا العباس ابن عطاء وأبا محمد الحريري وأبا بكر الشبلي، وعمر عمراً طويلاً، وللصوفية عنه حكايات غريبة، وإنما سمي النساج لخبر؛ قال جعفر الخلدي: سألت خيراً النساج: أكان النسج حرفتك؟ قال: لا، قلت: فمن أين سميت به؟ قال: كنت عاهدت الله أن لا آكل الرطب أبداً، فغلبتني نفسي، فأخذت نصف رطل، فلما اكلت واحدة إذا رجل نظر إلي وقال: يا خير، يا آبق هربت مني، وكان له غلام هرب منه اسمه خير، فوقع علي شبهه وصورته، فاجتمع الناس وقالوا: هذا والله غلامك خير، فبقيت متحيراً، وعلمت بم أخذت، وعرفت جنايتي، فأخذني وحملني إلى حانوته الذي كان ينسج فيه غلامه وقال لي: يا عبد السوء، تهرب من مولاك! ادخل فاعمل عملك الذي كنت تعمل، وأمرني بنسج الكرباس، فدليت رجلي على أن أعمل فأخذت بيدي آلته وكأني كنت أعمل من سنين. فبقيت معه أشهراً أنسج له، فقمت ليلة إلى صلاة الغداة فسجدت وقلت في سجودي: إلهي لا أعود إلى ما فعلت، فأصبحت وإذا الشبه ذهب عني، وعدت إلى صورتي التي كنت عليها، فأطلقت، وثبت علي هذا الاسم؛ وفي بعض الروايات: كان يقول: يا خير، فيقول: لبيك، ثم قال له الرجل بعد ذلك: لا أنت عبدي، ولا اسمك خير، فمضى وقال: لا أغير اسماً سماني به رجل مسلم.

وكان يقول: لا نسب أشرف من نسب من خلقه الله بيده فلم يعصمه، ولا أعلم أرفع ممن علمه الله الأسماء كلها فلم ينفعه في وقت جريان القضاء عليه.

وكان خير قد احد ودب، وكان إذا سمع قام ظهره ورجعت قوته كالشاب المطلق، فإذا غاب عن الوجود عاد إلى حاله.

وكان قد عمر مائة وعشرين سنة؛ وكان يذكر أن إبراهيم الخواص صحبه.

وحكى علي بن هارون الحربي عن غير واحد ممن حضر موته من أصحابه أنه غشي عليه عند صلاة المغرب، ثم افاق، ونظر إلى ناحية من باب البيت، وقال: قف، عافاك الله، فإنما أنت عبد مأمور، وأنا عبد مأمور ما أمرت به لا يفوتك وما أمرت به يفوتني، فدعني أمضي لما أمرت به، ثم امض أنت لما أمرت به، ودعا بماء فتوضأ للصلاة وصلى وتمدد وأغمض عينيه وتشهد، ثم مات، رحمه الله تعالى. فرآه بعض أصحابه في النوم، فقال: ما فعل الله بك؟ فقال: لا تسلني عن هذا، ولكن استرحت من دنياكم المضرة. وكانت وفاته في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، رحمه الله تعالى.