دبيس بن صدقة

أبو الأغر دبيس بن سيف الدولة أبي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي الناشري الملقب نور الدولة ملك العرب صاحب الحلة المزيدية؛ كان جواداً كريماً عنده معرفة بالأدب والشعر، وتمكن في خلافة الإمام المسترشد واستولى على كثير من بلاد العراق، وهو من بيت كبير-وسيأتي ذكر أبيه وأجداده في حرف الصاد إن شاء الله تعالى-.

ودبيس المذكور هو الذي عناه ابن الحريري صاحب "المقامات" في المقامة التاسعة والثلاثين بقوله "أو الأسدي دبيس" لأنه كان معاصره-كما نذكره في حرف القاف إن شاء الله تعالى-فرام التقرب إليه بذكره في مقاماته، ولجلالة قدره أيضاً.

وله نظم حسن، ورأيت العماد الكاتب في "الخريدة" وابن المستوفي في "تاريخ إربل" وغيرهما قد نسبوا إليه الأبيات اللامية التي من جملتها:

أسلمه حب سليمانكـم

 

إلى هوى أيسره القتل

 

ورأيت ابن بسام صاحب كتاب "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" قد ذكرها لابن رشيق القيروان-وقد ذكرتها في ترجمته في حرف الحاء-والظاهر أنها لابن رشيق، لأن ابن بسام ذكر في "الذخيرة" أنه ألفها في سنة اثنتين وخمسمائة وفي هذا التاريخ كان دبيس شاباً ويبعد أن يصل شعره في ذلك السن إلى الأندلس وينسب إلى مثل ابن رشيق، مع معرفة ابن بسام بأشعار أهل المغرب.

 

وذكر ابن المستوفي في تاريخه أن بدران أخا دبيس كتب إلى أخيه المذكور وهو نازح عنه:

 

ألا قل لمنصور وقل لمـسـيب

 

وقل لدبيس إنـنـي لـغـريب

هنيئاً لكم ماء الفـرات وطـيبـه

 

إذا لم يكن لي في الفرات نصيب

 

فكتب إليه دبيس:

 

ألا قل لبدران الذي حـن نـازعـاً

 

إلى أرضه والحر لـيس يخـيب

تمتع بـأيام الـسـرور فـإنـمـا

 

عذار الأماني بالهـمـوم يشـيب

ولله في تلك الـحـوادث حـكـمة

 

"وللأرض من كأس الكرام نصيب"

 وذكر غير ابن المستوفي أن بدران بن صدقة المذكور لقبه تاج الملوك، ولما قتل أبوه تغرب عن بغداد ودخل الشام فأقام بها مدة ثم توجه إلى مصر ومات بها في سنة ثلاثين وخمسمائة؛ وكان يقول الشعر، وذكره العماد الكاتب الأصفهاني في كتاب "الخريدة".

وكان دبيس في خدمة السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه السلجوقي وهم نازلون على باب المراغة من بلاد أذربيجان ومعهم الإمام المسترشد بالله-لسبب سنذكره في ترجمة مسعود المذكور إن شاء الله تعالى-، فيقال إن السلطان دس عليه جماعة من الباطنية فهجموا خيمته-أعني المسترشد بالله-وقتلوه يوم الخميس الثامن والعشرين، وقال ابن المستوفي: الرابع عشر من ذي القعدة سنة تسع وعشرين وخمسمائة، وخاف أن تنسب القضية إليه، وأراد أن تنسب إلى دبيس المذكور، فتركه إلى أن جاء إلى الخدمة وجلس على باب خيمة السلطان، فسير بعض مماليكه، فجاءه من ورائه وضرب رأسه بالسيف فأبانه، وأظهر السلطان بعد ذلك أنه إنما فعل هذا انتقاماً منه بما فعل في حق الإمام، وكان ذلك بعد قتل الإمام بشهر، رحمه الله تعالى.

وذكر المأموني في تاريخه أنه قتل في رابع عشر ذي الحجة من السنة المذكورة على باب خوي. وكان قد أحسن بتغير رأي السلطان فيه منذ قتل المسترشد، وعزم على الهرب مراراً، وكانت المنية تثبطه.

وذكر ابن الأزرق في تاريخه أنه قتله كان على باب تبريز، وأنه لما قتل حمل إلى ماردين إلى زوجته كهارخاتون، فدفن بالمشهد عند نجم الدين إيلغازي صاحب ماردين، والد كهارخاتون ابنة المذكورة، ثم توزج السلطان المذكور ابنة دبيس المذكور، وأمها شرف خاتون ابنة عميد الدولة بن فخر الدولة محمد بن جهير، وأم شرف خاتون المذكورة زبيدة بنت الوزير نظام الملك-وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة فخر الدولة بن جهير إن شاء الله تعالى-.

والناشري-بفتح النون وبعد الألف شين معجمة مكسورة وبعدها راء ثم ياء-هذه النسبة إلى ناشرة بن نصر بطن من أسد بن خزيمة.