أبو محمد الربيع بن سليمان بن داود بن الأعرج الأزدي بالولاء المصري الجيزي صاحب الشافعي رضي الله عنه؛ لكنه كان قليل الرواية عنه، وإنما روى عن عبد الله بن عبد الحكم كثيراً، وكان ثقة، وروى عنه أبو داود والنسائي.
قيل: إنه اجتاز يوماً بمصر، فطرحت عليه إجانة رماد، فنزل عن دابته وجعل ينفضه عن ثيابه ولم يقل شيئاً، فقيل له: ألا تزجرهم؟ فقال: من استحق النار وصولح بالرماد فقد ربح.
وتوفي في ذي الحجة سنة ست وخمسين ومائتين بالجيزة، وقبره بها، كذا قاله القضاعي في "الخطط"، رحمه الله تعالى.
والأزدي: قد تقدم الكلام فيه.
والجيزي -بكسير الجيم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها زاي-هذه النسبة إلى الجيزة، وهي بليدة في قبالة مصر يفصل بينهما عرض الغيل، والأهرام في عملها وبالقرب منها، وهي من عجائب الأبنية قال بعض الحكماء: ما على وجه الأرض بنية إلا وأنا أرثي لها من الليل والنهار، إلا الهرمين فأنا أرثي لليل والنهار منهما.
ولأبي الطيب المتنبي فيهما:
أين الذي الهرمان من بنيانـه |
|
ما قومه ما يومه ما المصرع |
تتخلف الآثار عن أصحابـهـا |
|
حيناً ويدركها الفناء فتتـبـع |
وزعم قوم أن الأهرام قبور ملوك عظام آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عليهم في حياتهم، وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخي العصور. ولما وصل الخليفة المأمون إلى مصر أمر ينقب الهرمين، فنقب أحدهما بعد جهد شديد وعناء طويل، فوجدوا داخله مراقي ومهاوي يهول أمرها ويعسر السلوك فيها، ووجدوا في أعلاها بيتاَ مكعباً طول كل ضلع من أضلاعه نحو من ثمانية أذرع وفي وسطه حوض رخام مطبق فيه رمة بالية، وقد أتت عليها العصور، فكف عن نقب ما سواه، وكانت النفقة على نقبه عظيمة، والمؤونة شديدة.
ومن الناس من زعم أن هرمس الأول المدعو بالمثلث بالنبوة والملك والحكمة وهي الذي يسميه العبرانيون خنوخ-وهو إدريس عليه السلام-استدل من أحوال الكواكب على الطوفان، فأمر ببناء الأهرام وإيداعها ما يشفق عليه من الذهاب؛ وقيل بانيها سورند لرؤيا رآها وهي أن آفة تنزل من السماء وهي الطوفان؛ ويقال: إنه بناها في مدة ستة أشهر، وغشاها بالديباج الملون، وكتب عليها: قد بنيناها في ستة أشهر، قل لمن يأتي بعدنا يهدمها في ستمائة سنة، والهدم أيسر من البنيان، وكسوناها الديباج الملون فليكسها حصراً، والحصر أهون من الديباج. وبالجملة فالأمر فيها عجيب جداً، والله أعلم