الزبير بن بكار

أبو عبد الله الزبير بن بكر بن بكار- وكنيته أبو بكر- بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي الزبير؛ كان من أعيان العلماء، وتولى القضاء بمكة حرسها الله تعالى، وصنف الكتب النافعة، منها كتاب "أنساب قريش" وقد جمع فيه شيئاً كثيراً، وعليه اعتماد الناس في معرفة نسب القرشيين، وله غيره مصنفات دلت على فضله واطلاعه. روى عن ابن عيينة ومن في طبقته، وروى عنه ابن ماجه القزويني وابن أبي الدنيا وغيرهما.

ولقي الزبير بن بكار اسحاق بن إبراهيم الموصلي فقال: يا أبا عبد الله، عملت كتاباً سميته "كتاب النسب" وهو كتاب الأخبار، قال وأنت يا أبا محمد-أيدك الله-عملت كتاباً سميته "كتاب الأغاني" وهو كتاب المعاني.

قال جحظة: كنت بحضرة الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر، فاستأذن الزبير بن بكار حين جاء من الحجاز، فدخل، فأكرمه وعظمه، وقال له: إن باعدت بيننا الأنساب لقد قربت بيننا الآداب، وإن أمير المؤمنين اختارك لتأديب ولده وأمر لك بعشرة آلاف درهم وعشرة تخوت ثياب وعشرة أبغل تحمل عليها رحلك إلى حضرة سر من رأى، فشكر ذلك وقبله، فلما ودعه قال للشيخ: أرونا حديثاً نذكرك به، قال: أحدثك بما سمعت أو بما شاهدت؟ قال: بل بما شاهدت، قال: بينا أنا في مسيري هذا بين مسجدين إذ بصرت بحبالة منصوبة فيها ظبي ميت، وبإزائها رجل في نعشه ميثت، وامرأة حسرى تسعى وتقول:

أمست فتاة بني نـهـد عـلانـية

 

وبعلها في أكف الموت يبـتـذل

وكنت راغـبة فـيه أضـن بـه

 

فحال من دون ظبي الريمة الأجل

ثم خرج، فقال محمد بن عبد الله بن طاهر: أي شيء افدنا من هذا الشيخ؟ قلنا: الأمير أعلم، فقال: قوله "أمست فتاة بني نهد علانية" أي ظاهرة، وهذا حرف لم أسمعه في كلام العرب قبل هذا.

قال الزبير بن بكار: قالت ابنة أختي لأهلنا: خالي خير رجل لأهله، لا يتخذ ضرة ولا يشتري جارية، فقالت المرأة: لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر وأصعب.

وتوفي بمكة وهو قاض عليها ليلة الأحد لسبع-وقيل لتسع-ليال بقين من ذي القعدة سنة ست وخمسين ومائتين، وعمره أربع وثمانون سنة، رحمه الله تعالى. وتوفي والده سنة خمس وتسعين ومائة، رحمه الله تعالى.