عماد الدين صاحب سنجار

أبو الفتح وأبو الجود عماد الدين زنكي بن قطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي المذكور قبله المعروف بصاحب سنجار؛ كان قد ملك حلب بعد ابن عمه الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وكانت وفاة الصالح المذكور في سنة سبع وسبعين وخمسمائة وعمره تسع عشرة سنة.

وكان لما اشتد مرضه وصف له الأطباء شرب الخمر للتداوي، فقال: لا أفعل حتى أستفتي الفقهاء، فأفتاه فقيه من مدرسي الحنفية بجواز ذلك، فقال له: أرأيت إن قدر الله تعالى بقرب الأجل أيؤخره شرب الخمر؟ فقال الفقيه: لا، فقال: والله لا لقيت الله عز وجل وقد استعملت ما حرمه عليه فلما يئس من نفسه أحضر الأمراء وسائر الأجناد ووصاهم بتسليم البلد إلى ابن عمه عز الدين مسعود واستحلفهم على ذلك ثم مات. وكان حليماً كريماً عفيف اليد والفرج ملازماً للدين والخير لا يعرف شيئاً مما يتعاطاه الملوك والشباب من شرب الخمر وغيره، حسن السيرة في رعيته عادلاً فيهم، رحمه الله تعالى.

ثم إن السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله سار من عينتاب إلى حلب وحاصرها في سنة ثمانين وخمسمائة، فنزل في الميدان الأخضر عدة أيام ثم انتقل إلى جبل جوشن، فنزل بأعلاه وأظهر أنه يريد يبني مساكن له ولعسكره، والقتال بين العسكرين كل يوم. وكان صاحب حلب عماد الدين زنكي المذكور ومعه العسكر النوري وهم مجدون في القتال، فلما رأى تطاول القتال كره الخرج كأنه استكثره، فحضر عنده يوماً بعض أجناده وطلبوا منه شيئاً فاعتذر بقلة المال عنده، فقال له بعضهم: من يريد يحفظ مثل حلب يخرج المال، ولو باع حلي نسائه، فمال حينئذ إلى تسليم حلب لصلاح الدين ويأخذ عوضها سنجار ونصيبين والخابور والرقة وسروج، وجرت اليمين على ذلك فتسلمها صلاح الدين ثامن عشر صفر ونزل عنها عماد الدين، فعجب الناس من ذلك وقبحوا على عماد الدين فعله حتى إن بعض عامة حلب أحضر إجانة وماء وناداه: أنت لا يصلح لك الملك وإنما يصلح لك أن تغسل الثياب، وإذا أراد الله أمراً فلا مرد له؛ وتقرر عماد الدين أن يكون في خدمة صلاح الدين متى استدعاه.
ومن عجيب الاتفاقات أن محيي الدين بن الزكي قاضي دمشق مدح صلاح الدين بقصيدة منها:

وفتحك القلعة الشهباء في صفر

 

مبشر بفتوح القدس في رجب

وكذا كان، فإن القدس فتح في رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

ومما كتبه القاضي الفاضل في المعنى: أعطيناه عن حلب كذا وكذا وهو صرف على الحقيقة: أخذنا فيه الدنانير وأعطيناه الدراهم ونزلنا عن القرى وأحرزنا العواصم.

وكان في جملة من قتل على حلب تاج الملوك أخو صلاح الدين الأصغر وقد تقدم ذكره. وانتقل عماد الدين المذكور في السنة المذكورة إلى سنجار ولم يزل بها إلى أن توفي في المحرم سنة أربع وتسعين وخمسمائة.

وملك ابنه قطب الدين محمد وتولى تدبير دولته مجاهد الدين يرنقش مملوك أبيه، وكان ديناً خيراً عادلاً حسن السيرة كثير البر والإحسان للفقراء، إلا أنه كان شديد التعصب على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، كثير الذم للشافعية، وكان بخيلاً؛ فمن تعصبه على الشافعية أنه بنى مدرسة للحنفية بسنجار وشرط أن يكون النظر للحنفية من أولاده دون الشافعية، وأن يكون البواب والفراش على مذهب أبي حنيفة.