زفر بن الهذيل الحنفي

أبو الهذيل زفر بن الهذيل بن قيس بن سليم بن قيس بن مكمل بن ذهل بن ذؤيب بن جذيمة بن عمرو بن حنجور بن جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم بن مر ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، العنبري الفقيه الحنفي؛ كان قد جمع بين العلم والعبادة، وكان من أصحاب الحديث، ثم غلب عليه الرأي، وهو قياس أصحاب أبي حنفية رضي الله عنه، وكان أبوه الهذيل على أصبهان.

حكى المعافى بن زكريا في كتاب "الجليس والأنيس" عن عبد الرحمن ابن مغراء قال: جاء رجل إلى أبي حنفية فقال: إني شربت البارحة نبيذاً ولا أدري أطلقت امرأتي أم لا، قال: المرأة امرأتك حتى تستيقن أنك طلقتها. ثم أتى سفيان الثوري فقال: يا أبا عبد الله إني شربت البارحة نبيذاً ولا أدري طلقت امرأتي أم لا، قال: اذهب فراجعها فإن كنت طلقتها فقد راجعتها، وإن لم تكن طلقتها فلم تضرك المراجعة شيئاً. ثم أتى شريك بن عبد الله فقال: يا أبا عبد الله إني شربت البارحة نبيذاً، ولا أدري طلقت امرأتي أم لا، قال: اذهب فطلقها ثم راجعها. ثم اتى زفر بن الهذيل فقال: يا أبا الهذيل إني شربت البارحة نبيذاً ولا أدري طلقت امرأتي أم لا، قال: هل سألت غيري؟ قال: أبا حنيفة. قال: فما قال لك؟ قال قال: المرأة امرأتك حتى تستيقن أنك قد طلقتها، قال: هو الصواب، قال: فهل سألت غيره؟ قال: سفيان الثوري، قال: فما قال لك؟ قال: اذهب فراجعها فإن كنت طلقتها فقد راجعتها، وإن لم تكن طلقتها فلم تضرك المراجعة شيئاً، قال: ما أحسن ما قال لك، فهل سألت غيره؟ قال: شريك بن عبد الله، قال: فما قال لك؟ قال: اذهب فطلقها ثم راجعها، قال: فضحك زفر وقال: لأضربن لك مثلاً، رجل مر بمثعب سيل فأصاب ثوبه، قال لك أبو حنيفة: ثوبك طاهر وصلاتك مجزئة حتى تستيقن أمر الماء، وقال لك سفيان: اغسله فإن يك نجساً فقد طهر، وإن يك طاهراً زاده نظافة، وقال لك شريك: اذهب فبل عليه ثم اغسله. قال المعافى: وقد أحسن زفر في فصله بين هؤلاء الثلاثة فيما أفتوا به في هذه المسألة، وفيما ضربه لسائله من الأمثلة.

فأما قول أبي حنيفة فهو محض النظر وأمر الحق ولا يجوز أن يحكم على امرئ في زوجته بطلاقها بعد صحة زوجيتها بظن عرض له وهو أبعد عند ذوي الأفهام من أضغاث الأحلام، وأما قول سفيان الثوري فإنه أشار بالاستظهار والتوثقة والأخذ بالحزم والحيطة وهذه طريقة أهل الورع وذوي الاستقصار والمشفقين على نفوسهم من أهل الدين، وفتيا أبي حنيفة في هذا عين الحق وجل الفقه، وأي هاتين المحجتين سلك من نزلت به هذه النازلة وعرضت له هذه الحادثة فهو مصيب محسن على ما بينا فيهما من الفصل بين المنزلتين، وأما ما أفتى به شريط فتعجب زفر منه واقع في موضعه ولا وجه في الصحة لما أشار به. وقد أصاب زفر أيضاً في الوجه الذي ضربه له وارى شريكاً توهم أن الرجعة لا تحقق إلا مع تحقق الطلاق فأمر باستئناف تطليقة لتصح الرجعة بعدها وهذا مختل فاسد ولو كان كما يرى أنه توهمه لما أثرت الرجعة إلا في التطليقة التي أوقعها وتيقنها دون التي أشفق من تقدمها وهو على غير يقين منها، ولو ان رجلاً وكل رجلاً في طلاق زوجته ثم غاب الوكيل فأشفق من تطليقه إياها عليه فأشهد على رجعتها وهو غير عالم بوقوعها ثم تبين أنها وقعت قبل مراجعته لصحت رجعته، وكذلك لو كتب إلى زوجته بطلاقها إذا وصل إليها كتابه ثم أشهد على الرجعة بعد الوصول وقبل انقضاء العدة لكانت المراجعة صحيحة لوقتها بعد الطلاق الذي لم يكن عالماً به.

ومولده سنة عشر ومائة وتوفي في شعبان سنة ثمان وخمسين ومائة، رحمه الله تعالى.

وزفر: بضم الزاي وفتح الفاء وبعدها راء.

والهذيل: بضم الهاء وفتح الذال المعجمة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام.