التاج الكندي

أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد الكندي الملقب تاج الدين البغدادي المولد والمنشأ الدمشقي الدار والوفاة المقرئ النحوي الأديب؛ كان أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع، وشهرته تغني عن الاطناب في وصفه، وكان قد لقي جلة المشايخ وأخذ عنهم، منهم الشريف أبو السعادات ابن الشجري وأبو محمد ابن الخشاب وابو منصور الجواليقي، وسافر عن بغداد في شبابه، وآخر عهده بها في سنة ثلاث وستين وخمسمائة، واستوطنت حلب حدة، وكان يبتاع الخيلع ويسافر به إلى بلاد الروم ويعود إليها. ثم انتقل إلى دمشق، وصحب الأمير عز الدين فروخ شاه بن شاهان شاه، وهو ابن أخي السلطان صلاح الدين، واختص به وتقدم عنده وسافر في صحبته إلى الديار المصرية واقتنى من كتب خزائنها كل نفيس، وعاد إلى دمشق واستوطنها، وقصده الناس وأخذوا عنه، وله كتاب مشيخه على حروف المعجم.

أخبرني أحد أصحابه أنه قال: كنت قاعداً على باب أبي محمد عبد الله بن الخشاب النحوي ببغداد، وقد خرج من عند أبو القاسم الزمخشري الإمام المشهور، وهو يمشي في جاون خشب فإن إحدى رجليه كانت قد سقطت من الثلج، ثال: والناس يقولون: هذا الزمخشري. ونقل من خطه: كان الزمخشري أعلم فضلاء العجم بالعربية في زمانه، وأكثرهم أنساً واطلاعاً على كتبها، وبه ختم فضلاؤهم، وكان متحققاً بالاعتزال، قدم علينا بغداد سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، ورأيته عند شيخنا أبي منصور الجواليقي، رحمه الله تعالى، مرتين قارئاً عليه بعض كتب اللغة من فواتحها ومستجيزاً لها، لأنه لم يكن له على ما عنده من العلم عفا الله عنه وعنا.

وأخبرني الشيخ مهذب الدين أبو الطالب محمد المعروف بابن الخيمي بالقاهرة المحروسة قال: كتب إلي الشيخ الدين الكندي من دمشق من جملة أبيات:

أيها الصاحب المحافظ قد حم

 

لتنا من وفاء عهـدك دينـا

نحن بالشام رهن شوق إليكم

 

هل لديكم بمصر شوق إلينا

قد غلبنا بما حرمنا علـيكـم

 

وغلبتم بما رزقتم عـلـينـا

فعجزنا عن أن ترونالديكـم

 

وعجزتم عن أن نراكم لدينا

حفظ الله عهد مـن حـفـظ

 

العهد وأوفى به كما قد وفينا

 

قال: فكتبت جوابها أبياتاً من جملتها:

أيها الساكنون بالشام من كند

 

ة إنا بعهدكم مـا وفـينـا

لو قضينا حق المودة كنـا

 

نحبنا بعد بعدكم قد قضينـا

 

وأنشدني له الشيخ مهذب الدين المذكور:

دع المنجم يكبو في ضـلالـتـه

 

إن ادعى علم ما يجري به الفلك

تفرد الله بالعلم القـديم فـلا ال

 

إنسان يشركه فيه ولا المـلـك

أعد للرزق من اشراكه شركـاً

 

وبئست العدتان الشرك والشرك

 

وكتبت إليه أبو شجاع ابن الدهان الفرضي، الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف الميم:

يا زيد زادك ربي من مواهبـه

 

نعمى يقصر عن إدراكها الأمل

لا غير الله حالاً قد حباك بـهـا

 

ما دار بين النحاة الحال والبدل

النحو أنت أحق العالمـين بـه

 

أليس باسمك فيه يضرب المثل

 

ومن شعر الشيخ تاج الدين، وقد طعن في السن:

أرى المرء يهوى أن تطول حياتـه

 

وفي ظولها إرهاق ذلك وإزهـاق

تمنيت في عصر الشبـيبة أنـنـي

 

أعمر والأعمـار لا شـك أرزاق

فلما أتاني ما تـمـنـيت سـاءنـي

 

من العمر ما قد كنت أهوى وأشتاق

يخيل لي فكـري إذا كـنـت خـاياً

 

حفائر يعلوها من الترب أطـبـاق

وها أنا في إحدى وتسعـين حـجة

 

لها في إرعاد مـخـوف وإبـراق

يقولون ترياق لـمـثـلـك نـافـع

 

وما لي إلا رحـمة الـلـه تـرياق

وكانت ولادته بكرة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شعبان سنة عشرين وخمسمائة ببغدادن وتوفي يوم الاثنين ضحوة سادس شوال سنة ثلاثة عشرة وستمائة بدمشق، ودفن من يومه بجبل قاسيون، رحمه الله تعالى.

وأما مهذب الدين المذكور فهو أبو طالب محمد بن ابي الحسن علي بن علي بن المفضل بن التامغاز، كذا أملى علي نسبه، وأنشدني كثيراً من شعره وشعر غيره، وكان اجتماعنا بالقاهرة المحروسة في مجالس عديدة، وأخبرني أن مولده في الثامن والعشرين من سوال سنة تسع وأربعين وخمسمائة بالحلة المزيدية، وتوفي يوم الأربعاء والعشرين من ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ودفن من الغد بالقرافة الصغرى، وحضرت الصلاة عليه، وكان إماماً في اللغة راوية للشعر والأدب، رحمه الله تعالى.

وقاسيون: بفتح القاف وبعد الألف سين مكسورة مهملة وضم الياء المثناة من تحتها وبعد الواو الساكنة نون، وهو جبل مطل على دمشق، وفيه قبول أهلها وتربهم وفيه مدارس ورباطات وجامع، وفيه نهران ثورا ويزيد.