سعيد بن جبير

أبو عبد الله-وقيل أبو محمد-سعيد بن جبير بن هشام الأسدي بالولاء مولى بني والبة بن الحارث بطن من بني أسد بن خزيمة؛ كوفي أحد أعلام التابعين، وكان أسود، أخذ العلم عن عبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر، رضي الله عنهم. قال له ابن عباس: حدث، فقال: أحدث وأنت ها هنا؟ فقال: أليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد، فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت علمتك.

وكان لا يستطيع أن يكتب مع ابن عباس في الفتيا، فلما عمي ابن عباس كتب، فبلغه ذلك فغضب. وعن ابن عباس رضي الله عنه أخذ القراءة أيضاً عرضاً، وسمع منه التفسير وأكثر روايته عنه.

وروى عن سعيد القراءة عرضاً المنهال بن عمرو وأبو عمرو بن العلاء؛ قال وفاء بن إياس: قال لي سعيد في رمضان: أمسك علي القرآن، فما قام من مجلسه حتى ختمه، قال سعيد: قرأت القرآن في ركعة في البيت الحرام؛ وقال إسماعيل بن عبد الملك: كان سعيد بن جبير يؤمنا في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله بن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت وليلة بقراءة غيره، هكذا أبداً، وسأله رجل أن يكتب له تفسير القرآن، فغضب وقال: لأن يسقط شقي أحب إلي من ذلك؛ وقال خصيف: كان من أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب، وبالحج عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتفسير أبو الحجاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كله سعيد بن جبير.

وكان سعيد في أول أمره كاتباً لعبد الله بن عتبة بن مسعود، ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري.

وذكره أبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" فقال: دخل أصبهان وأقام بها مدة، ثم ارتحل منها إلى العراق وسكن قرية سنبلان.

وروى محمد بن حبيب أن سعيد بن جبير كان بأصبهان يسألونه عن الحديث فلا يحدث، فلما رجع إلى الكوفة حدث، فقيل له: يا أبا محمد، كنت بأصبهان لا تحدث وأنت بالكوفة تحدث، فقال: انشر بزك حيث يعرف.

وكان مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس لما خرج على عبد الملك بن مروان، فلما قتل عبد الرحمن وانهزم أصحابه من دير الجماجم هرب فلحق بمكة، وكان واليها يومئذ خالد بن عبد الله القسري، فأخذه وبعث به إلى الحجاج بن يوسف الثقفي مع إسماعيل بن أوسط البجلي، فقال له الحجاج: يا شقي ين كسير، أما قدمت الكوفة وليس يؤمن بها إلا عربي فجعلتك إماماً؟ فقال: بلى، قال: أما وليتك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا: لا بصلح للقضاء إلا عربي فاستقضيت ابا بردة بن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمراً دونك؟ قال: بلى، قال: أما جعلتك في مساري وكلهم رؤوس العرب؟ قال: بلى، قال: أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرقها على أهل الحاجة في أول ما رأيتك ثم لم أسألك عن شيء منها؟ قال: بلى، قال: فما أخرجك علي؟ قال: بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث، فغضب الحجاج ثم قال: أفما كانت بيعة أمير المؤمنين عبد الملك في عنقك من قبل؟ والله لأقتلنك، يا حرس اضرب عنقه، فضرب عنقه، وذلك في شعبان سنة خمس وتسعين، وقيل سنة أربع وتسعين للهجرة، بواسط، ودفن في ظاهرها وقبره يزار بها، رضي الله عنه، وله تسع وأربعون سنة.

وكان يوم أخذ يقول: وشى بي واش في بلد الله الحرام، أكله إلى الله تعالى، يعني خالد بن عبد الله القسري.

وقال أحمد بن حنبل: قتل الحجاج سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه. ثم مات الحجاج بعده في شهر رمضان من السنة، وقيل بل مات بعده بستة أشهر، ولم يسلطه الله تعالى بعده على قتل أحد حتى مات. ولما قتله سال منه دم كثير، فاستدعى الحجاج الأطباء وسألهم عنه وعمن كان قتله قبله، فإنه كان يسيل منهم دم قليل، فقالوا له: هذا قتلته ونفسه معه والدم تبع للنفس، ومن كنت تقتله قبله كانت نفسه تذهب من الخوف، فلذلك قل دمهم.

وقيل للحسن البصري: إنالحجاج قد قتل سعيد بن جبير، فقال: اللهم ايت على فاسق ثقيف، والله لو أن من بين المشرق والمغرب اشتركوا في قتله لكبهم الله عز وجل في النار.

ويقال إن الحجاج لما حضرته الوفاة كان يغوص ثم يفيق ويقول: ما لي ولسعيد بن جبير؟ وقيل إنه في مدة مرضه كان إذا نام رأى سعيد بن جبير آخذاً بمجامع ثوبه يقول له: يا عدو الله، فيم قتلتني؟ فيستيقظ مذعوراً ويقول: ما لي ولسعيد بن جبير؟! ويقال: إنه رئي الحجاج في النوم بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: قتلني بكل قتيل قتلته قتلة، وقتلني بسعيد ابن جبير سبعين قتلة.

وحكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتاب "المهذب" أن سعيد بن جبير كان يلعب بالشطرنج استدباراً، ذكره في كتاب الشهادات في فصل اللعب بالشطرنج.