ابن الدهان النحوي

أبو محمد سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله بن سعيد بن محمد بن نصر بن عاصم بن عبادة بن عصام بن الفضل بن ظفر بن غلاب بن حمد بن شاكر بن عياض ابن حصن بن رجاء بن أبي بن شبل بن أبي اليسر كعب الأنصاري رضي الله عنه المعروف بابن الدهان النحوي البغدادي؛ سمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن الحصين ومن أبي غالب أحمد بن الحسن بن البناء وغيرهما، وكان سيبويه عصره، وله في النحو التصانيف المفيدة منها "شرح كتاب الإيضاح والتكملة" وهو مقدار ثلاث وأربعين مجلدة، ومنها "الفصول الكبرى" و"الفصول الصغرى" وشرح كتاب "اللمع" لابن جني شرحاً كبيراً يدخل في مجلدين وسماه "الغرة" ولم أر مثله مع كثرة شروح هذا الكتاب، ومنها كتاب "العروض" في مجلدة وكتاب "الدروس في النحو" في مجلدة، وكتاب تذكرته سماه "زهر الرياض" في سبع مجلدات، كتاب "الغنية في الضاد والظاء" و"المعقود في المقصور والممدود" و"الراء" و"الغنية في الأضداد" وغير ذلك من المصنفات.

وكان في زمن أبي محمد المذكور ببغداد من النحاة ابن الجواليقي وابن الخشاب وابن الشجيري، وكان الناس يرجحون أبا محمد المذكور على الجماعة المذكورين مع أن كل واحد منهم إمام. ثم إن أبا محمد ترك بغداد وانتقل إلى الموصل قاصداً جناب الوزير جمال الدين الأصبهاني المعروف بالجواد-الآتي ذكره في حرف الميم إن شاء الله تعالى-فتلقاه بالإقبال وأحسن إليه، وأقام في كنفه مدة، وكانت كتبه قد تخلفت ببغداد فاستولى الغرق تلك السنة على البلد، فسير من يحضرها إليه إن كانت سالمة، فوجدها قد غرقت، وكان خلف داره مدبغة فغرقت أيضاً، وفاض الماء منها إلى داره، فتلفت الكتب بهذا السبب زيادة على إتلاف الغرق، وكان قد أفنى في تحصيلها عمره، فلما حملت إليه على تلك الصورة أشاروا عليه أن يطيبها بالبخور ويصلح منها ما أمكن، فبخرها باللاذن ولازم ذلك إلى أن بخرها بأكثر من ثلاثين رطلاً لاذناً فطلع ذلك إلى رأسه وعينيه فأحدث له العمى وكف بصره. وانتفع عليه خلق كثير، ورأيت الخلق يشتغلون في تصانيفه المذكورة بالموصل وتلك الديار اشتغالاً كثيراً.

وكانت وفاته يوم الأحد غرة شوال سنة تسع وستين وخمسمائة، وقال ابن المستوفي: سنة ست وستين بالموصل، رحمه الله تعالى، ودفن بمقبرة المعافى بين عمران بباب الميدان.

ومولده عشية الخميس سادس وعشرين رجب سنة أربع وتسعين وأربعمائة ببغداد بنهر طابق، وهي محلة بها، وقيل يوم الجمعة.

وله نظم حسن، فمنه قوله:

لا تجعل الهزل دأباً فهو منقصة

 

والجد تغلو به بين الورى القـيم

ولا يغرنك من ملك تبـسـمـه

 

ما تصخب السحب إلا حين تبتسم

 

وله أيضاً:

لا تحسبن أن بالشع

 

ر مثلنا ستصـير

فاللدجـاجة ريش

 

لكنها لا تـطـير

 

وله أيضاً:

لا غرو أن أخشى فرا

 

قكم وتخشاني الليوث

أو ترى الثوب الجدي

 

د من التفرق يستغيث

 

وذكره الحظيري في كتاب "زينة الدهر" وأورد له:

بادر إلى العيش والأيام راقـدة

 

ولا تكن لصروف الدهر تنتظر

فالعمر كالكأس يبدو في أوائلـه

 

صفو وآخره في قعره الكـدر

 

وأورد له أيضاً:

قالوا اغترب عن بلاد كنت تـألـفـهـا

 

إن ضاق رزق تجد في الأرض منتزحا

قلت: انظروا الريق في الأفواه مختزنـاً

 

عذباً فإن بان عنها صار مـطـرحـا

 

وأورد له أيضاً:

أهوى الخمول لكي أظل مرفهاً

 

مما يعانـيه بـنـو الأزمـان

إن الرياح إذا توالى عصفهـا

 

تولي الأذية شامخ الأغصـان

 

وأورد له أيضاً:

يا سادتي لا عدمتم استمعوا

 

قول فتى عارف بمنطقـه

كنت ببيتي كالرخ محترماً

 

فصرت في غربتي كبيذقه

 

وقد ذكره العماد الكاتب في "الخريدة" وأثنى عليه، وذكر طرفاً من حاله. وقال الحافظ أبو سعد المسعاني: سمعت الحافظ ابن عساكر الدمشقي يقول: سمعت سعيد بن المبارك بن الدهان يقول: رأيت في النوم شخصاً أعرفه وهو ينشد شخصاً آخر كأنه حبيب له:

أيها الماطل ديني

 

أملي وتماطل؟

علل القلب فإني

 

قانع منك بباطل

 

قال السمعاني: فرأيت ابن الدهان وعرضت عليه الحكاية فقال: ما أعرفها ولعل ابن الدهان نسي، فإن ابن عساكر من أوثق الرواة، ثم استملى ابن الدهان من السمعاني هذه الحكاية وقال: أخبرني السمعاني عن ابن عساكر عني، فروى عن شخصين عن نفسه، وهذا غريب في الرواية.


وكان له ولد-وهو أبو ذكريا يحيى بن سعيد-وكان أديباً شاعراً، ومولده بالموصل في أوائل سنة تسع وستين وخمسمائة تقديراً، وتوفي سنة ست عشرة وستمائة بالموصل، ودفن على أبيه بمقبرة المعافى بن عمران الموصلي.
ومن شعره:

إن مدخت الخمول نبهت أقوا

 

ماً نياماً فسابقـونـي إلـيه

هو قد دلني على لذة الـعـي

 

ش، فمال ي أدل غيري عليه

 

ومن شعره على ما قيل:

وعهدي بالصبا زمناص وقـدي

 

حكى ألف ابن مقلة في الكتاب

فصرت الآن منحنـياً كـأنـي

 

أفتش في التراب على شبابـي