سكينة بنت الحسين

السيدة سكينة ابنة الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم؛ كانت سيدة نساء عصرها، ومن أجمل النسار وأظرفهن وأحسنهن أخلاقاً، وتزوجها مصعب بن الزبير فهلك عنها، ثم تزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم ابن حزام فولدت له قريناً، ثم تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان وفارقها قبل ا لدخول، ثم تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل، وقيل في ترتيب أزواجها غير هذا، والطرة السكينية منسوبة إليها.

ولها نوادر وحكايات ظريفة مع الشعراء وغيرهم، من ذلك ما يروى أنها وقفت على عروة بن أذينة -وكان من أعيان العلماء وكبار الصالحين وله أشعار رائقة-فقالت له: أنت القاتل:

إذا وجدت أوار الحب في كبدي

 

أقبلت نحو سقاء الماء أبتـرد

هبني بردت ببرد الماء ظاهره

 

فمن لنار على الأحشاء تتقـد

 

فقال لها: نعم، فقالت: وأنت القائل:

 

قالت وأبثثتها سري فـبـحـت بـه

 

قد كنت عندي تحب الستر فاستتـر

ألست تبصر من حولي؟ فقلت لهـا

 

غطى هواك وما ألقى على بصري

 

فقال: نعم، فالتفتت إلى جوار كن حولها وقالت: هن حرائر إن كان خرج هذا من قلب سليم قط.


وكان لعروة المذكور أخ اسمه بكر فمات فرثاه عروة بقوله:

 

سرى هـمـي وهـــم الـــمـــرء يســـري

 

وغـاب الـنـــجـــم إلا قـــيد فـــتـــر

أراقـب فـي الـمـجـــرة كـــل نـــجـــم

 

تعـرض أو عـلـى الـمـــجـــراة يجـــري

لهـــم مـــا أزال لـــه قـــرينـــــــاً

 

كأن الـقـلـب أبـطـــن حـــر جـــمـــر

على بكر أخي، فارقت بكراً وأي العيش يصلح بعد بكر؟

 

 

 

فلما سمعت سكينة هذا الشعر قالت: ومن هو بكر هذا؟ فوصف لها، فقالت: أهو ذلك الأسيد الذي كان يم بنا؟ قالوا: نعم، قالت: لقد طاب بعده كل شيء حتى الخبز والزيت. وأسيد: تصغير أسود.


ويحكى أن بعض المغنين غنى هذه الأبيات عند الوليد بن يزيد الأموي وهو في مجلس أنسه، فقال للمغني: من يقول هذا الشعر؟ فقال: عروة بن أذينة، فقال الوليد: وأي العيش يصلح بعد بكر؟ هذا العيش الذي نحن فيه، والله لقد تحجر واسعاً.


وكان عروة المذكور كثير القناعة، وله في ذلك أسعار سائرة وكان قد وفد من الحجاز على هشام بن عبد الملك بالشام في جماعة من الشعراء، فلما دخلوا عليه عرف عروة، فقال له: ألست القائل:

 

لقد علمت وما الإشراف من خلقي

 

أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعيني تطلـبـه

 

ولو قعدت أتاني لا يعنيني

 

وما أراك فعلت كما قلت، فإنك أتيت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق، فقال: لقد وعظت يا أمير المؤمنين فبالغت في الوعظ، وأذكرت ما أنسانيه الدهر، وخرج من فروه إلى راحلته فركبها وتوجه راجعاً إلى الحجاز، فمكث هشام يومه غافلاً عنه، فلما كان في الليل استيقظ من منامه وذكره، وقال: هذا رجل من قريش قال حكمة ووفد إلي فجبهته ورددته عن حاجته، وهو مع هذا شاعر لا آمن لسانه، فلما أصبح سأل عنه، فأخبر بانصرافه، فقال: لا جرم ليعلمن أن الرزق سيأتيه، ثم دعا بمولى له وأعطاه ألفي دينار، وقال: الحق بهذه عروة بن أذينة فأعطه إياها، قال: فلم أدركه إلا وقد دخل بيته، فقرعت عليه الباب، فخرج فأعطيته المال، فقال: أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيد فأكديت، ورجعت إلى بيتي فأتاني فيه الرزق. وهذه الحكاية وغن كانت دخيلة ليست مما نحن فيه لكن حديث عروة ساقها.

 

ولبعض المعاصرين وهو محمد بن إدريت المعروف بمرج كحل الأندلسي في معنى هذين البيتين، وأحسن فيه:

 

مثل الرزق الذي تطلـبـه

 

مثل الظل الذي يمشي معك

أنت لا تدركه مـتـبـعـاً

 

فإذا وليت عنه تـبـعـك

وكان وفاة سكينة بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة سبع عشرة ومائة، رضي الله عنهما؛ وقيل اسمها آمنة، وقيل أمينة، وقيل أميمة، وسكينة لقب لقبتها به أمها الرباب ابنة امرئ القيس بن عدي. وقال محمد بن السائب الكلبي النسابة: سألني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن اسم سكينة ابنة الحسين بن علي رضي الله عنهم، فقلت: أميمة، فقال: أصبت.

وتوفي مرج كحل المذكور في سنة أربع وثلاثين وستمائة ببلده-وهو جزيرة شقر بالأندلس-وكانت ولادته بها سنة أربع وخمسين وخمسمائة.