أبو داود السجستاني

أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني؛ أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله، وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح، طوف البلاط وكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين والجزريين، وجمع كتاب "السنن" قديماً وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، فاستجاده واستحسنه، وعده الشيخ أبو غسحاق الشيرازي في "طبقات الفقهاء" من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وقال غبراهيم الحربي لما صنف أبو داود كتاب "السنن": ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد.

وكان يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب-يعني "السنن"-جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث: أحدها قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات" والثاني قوله "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" والثالث قوله "لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه" والرابع قوله "الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات" الحديث بكماله.

وجاءه سهل بن عبد الله التستري فقيل له: يا أبا داود، هذا سهل بن عبد الله قد جاءك زائراً، قال: فرحب به وأجلسه، فقال: يا أبا داود لي إليك حاجة، وما هي؟ قال: حتى تقول قضيتها مع الإمكان، قال: قد قضيتها مع الإمكان، قال: أخرج لي لسانك الذي حدثت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبله، قال: فأخرج له لسانه فقبله.

وكان لأبي داود كم واسع وكم ضيق، فقيل له: يرحمك الله ما هذا؟ فقال: الواسع للكتب والآخر لا نحتاج إليه. وكان يقول: الشهوة الخفية حب الرياسة. وكان في أيام حداثته وطلب الحديث جلس في مجلس بعض الرواة يكتب، فدنا رجل إلى محبرته وقال له: أستمد من هذه المحبرة؟ فالتفت إليه وقال: أما علمت أن من شرع في مال أخيه بالاستئذان فقد استوجب بالحشمة الحرمان؟ فسمي ذلك اليوم حكيماً.
وكانت ولادته في سنة اثنتين ومائتين، وقدم بغداد مراراً ثم نزل إلى البصرة وسكنها، وتوفي بها يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين، رحمه الله تعالى.

وكان ولده أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان من أكابر الحفاظ ببغداد، عالماً متفقاً عليه، إمام ابن إمام، وله كتاب "المصابيح" وشارك أباه في شيوخه بمصر والشام، وسمع ببغداد وخراسان وأصبهان وسجستان وشيراز. وتوفي في سنة ست عشرة وثلثمائة، واحتج به ممن صنف الصحيح أبو علي الحافظ النيسابوري وابن حمزة الأصبهاني.

والسجستاني: بكسر السين المهملة والجيم وسكون السين الثانية وفتح التاء المثناة من فوقها وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى سجستان، الإقليم المشهور، وقيل بل نسبته إلى سجستان أو سجستانة، قرية من قرى البصرة، والله أعلم بذلك.