أشعب الطامع

واسمه شعيب واسم أبيه جبير؛ قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في "المنتظم": ولد أشعب سنة تسع من الهجرة، وكان أشعب خال الأصمعي وفي اسم أمه ثلاثة أقوال: أحدها جعدة مولاة أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، والثاني أم حميدة-بضم الحاء-والثالث أم حميدة-بفتح الحاء-.

اتفقوا أنه مولى واختلفوا في ولائه على أربعة أقوال: أحدها لعثمان رضي الله عنه والثاني عبد الله بن الزبير والثالث سعيد بن العاص والرابع فاطمة بنت الحسين.

عمر دهراً طويلاً، وكان قد أدرك زمن عثمان رضي الله عنه، وقرأ القرآن وتنسك. روى عن عبد الله بن جعفر والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعكرمة، وله أخبار طريفة: من ذلك ما حكى العباس بن نسيم الكاتب قال: قيل لأشعب: طلبت العلم وجالست الناس فلو جلست لنا لسمعنا منك، فقال: نعم، فجلس لهم فقالوا: حدثنا، فقال: سمعت عكرمة يقول سمعت بن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خلتان لا تجتمعان في مؤمن، ثم سكت فقالوا: ما الخلتان؟ فقال: نسي عكرمة واحدة ونسيت أنا الأخرى.
وحدثنا الزبير بن بكار قال: قال الواقدي: لقيت أشعب يوماً فقال لي: يا ابن واقد وجدت ديناراً فكيف اصنع به؟ قلت: تعرفه، قال: سبحان الله، قلت: فما الرأي؟ قال: اشتري به قميصاً وأعرفه، قلت: إذن لا يعرفه أحد، قال: فذاك أريد.

وقال الهيثم بن عيد: أسلمته فاطمة بنت الحسين في البزازين فقيل له: أين بلغت من معرفة البز؟ فقال: أحسن النشر ولا أحسن أطوي وأرجو أن أتعلم الطي. ومر برجل يتخذ طبقاً فقال: اجعله واسعاً لعلهم يهدون إلينا فيه فيكون كبيراً خيراً من أن يكون صغيراً.

وخرج سالم بن عبد الله إلى ناحية من نواحي المدينة متنزهاً ومعه حرم. فبلغ اشعب خبره فوافى الموضع الذي هم فيه فصادف الباب مغلقاً فتسور الحائط فقال له سالم: ويحك بناتي وحرمي، فقال: (لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد)، فوجه إليه بطعام أكل منه وحمل إلى منزله.

وقال سليمان الشاذكوني: كان لي بني في المكتب فانصرف إلي يوماً فقال: يا أبه الا احدثك بطريف؟ فقال: هات، فقال: كنت أقرأ على المعلم أن أبي يدعوك وأشعب الطامع عنده جالس، فلبس نعله وقال: امش بين يدي، فقلت: إنما أقرأ عشري، فقال: عجبت أن تفلح أو يفلح أبوك.

وحكى الحسن بن علي الخلال عن أبي عاصم النبيل قال: سمعت أشعب يقول: ما زفت بالمدينة امرأة قط إلى زوجها إلا كنست بيتي ورفعت ستري طمعاً في أن تهدي إلي.

وقيل لأشعب: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، شاة كانت لي على سطح فنظرت إلى قوس قزح فظنته حبل قت فأهوت إليه واثبة من السطح فاندق عنقها.

وقدم على يزيد بن حاتم مصر فجلس في مجلسه من الناس، فدعا يزيد بعض غلمانه وأسر له بشيء، فقام أشعب فقبل يده، فقال له: ولم فعلت هذا؟ قال: رأيتك أسررت إلى غلامك بشيء فعلمت أنك قد أمرت لي بصلة، فضحك منه وقال: ما فعلت ولكني أفعل، وأمر له بصلة.

وحكى المدائني قال: تغدى أشعب مع زياد بن عبيد الله الحارثي فجاءوه بمضيرة فقال أشعب للخبازك ضعها بين يدي، فوضعها بين يديه، فقال زياد: من يصلي بأهل السجن؟ قالوا: ليس لهم إمام، فقال: أدخلوا أشعب يصلي بهم، قال: أو غير ذلك أصلح الله الأمير؟ أحلف لا آكل مضيرة أبداً.

وحكى المدائني قال: أتي أشعب بفالوذجة عند بعض الولاة فأكل منها فلم توافقه، فقيل له: كيف تراها يا أشعب؟ قال: امرأته طالق إن لم تكن عملت من قبل أن يوحي الله إلى النحل.

وحكى المدائني عن حبهم بن خلف قال: حدثني رجل قال: قلت لأشعب: لو تحدثت عندي العشية، قال: أكره أن يجيء ثقيل، قلت: ليس غيرك وغيري، قال: فإذا صليت الظهر فأنا عندك، فصلى وجاء، فلما وضعت الجاية الطعام إذا صديق لي يدق الباب، قال: ألا ترى؟ قد صرت إلى ما أكره، قلت: إن لك عندي فيه عشر خصال، قال: فما هي؟ قلت: أولها أنه لا يأكل مع ضيف، قال: التسع خصال لك، أدخله.

ووجدت في بعض الكتب عن المدائني قال: توضأ أشعب فغسل رجله اليسرى وترك اليمنى، فقيل له: تركت غسل اليمنى، فقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمتي غر محجلون من آثار الوضوء، وأنا أحب أن أكون أغر محجلاً من الثلاث مطلق اليمين.

وحكى الهيثم بن عدي قال: لقيت أشعب فقلت لهك كيف ترى أهل زمانك هذا؟ قال: يسألون عن أحاديث الملوك ويعطون عطاء العبيد. وحكى المدائني قال: بعث الوليد بن يزيد إلى أشعب بعدما طلق امرأته سعدى، فقال له: يا أشعب أن لك عندي عشرة آلاف درهم على أن تبلغ رسالتي سعدى، فقال له: أحضر المال حتى أنظر إليه، فأحضر الوليد بدرة فوضعها أشعب على عنقه وقال: هات رسالتك يا أمير المؤمنين، قال: قل لها: يقول لك.

 

أسعدى هل إليك لنا سبـيل

 

وهل حتى القيامة من تلاق

بلى ولعل دهراً أن يواتـي

 

بموت من حليلك أو طلاق

فأصبح شامتاً وتقر عينـي

 

ويجمع شملنا بعد افتـراق

 

قال: فأتى أشعب الباب فأخبرت بمكانه فأمرت ففرش لها فرش وجلست فأذنت له فدخل فأنشدها ما أمره، فقالت لخدمها: خذوا الفاسق، فقال: يا سيدتي إنها بعشرة آلاف درهم، قالت: والله لأقتلنك أو تبلغه كما تبلغني، قال: هاتي رسالتك جعلت فداك، قالت: قل له:

 

أتبكي على لبنى وأنت تركتهـا

 

وقد ذهبت لبنى فما أنت صانع

 

فأقبل أشعب فدخل على الوليد فأنشده البيت فقال: أوه! قتلتني والله، ما تراني صانعاً بك يا ابن الزانية؟ اختر إما أن أدليك في البئر منكساً أو أرمي بك من فوق القصر منكساً أو أضرب رأسك بعمودي هذا ضربة، فقال: ما كنت فاعلاً بي شيئاً من ذلك، قال: ولم؟ قال: لأنك لم تكن لتعذب عينين قد نظرنا إلى سعدى، قال: صدقت يا ابن الزانية، اخرج عني.


قال الزبير: حدثني مصعب قال، قال لي ابن كليب: حدثت أشعب مرة فبكى فقلت: ما يبكيك؟ قال: أنا بمنزلة شجرة الموز إذا نشأت ابنتها قطعت هي، وقد نشأت أنت في موالي وأنا الآن أموت وأنا أبكي على نفسي.


وكان أشعب يغني وله أصوات قد حكيت عنه وكان ابنه عبيدة يغنيها، فمن اصواته هذه:

 

أروني من يقوم لكم مقامـي

 

إذا ما الأمر جل عن الخطاب

إلى من تفزعون إذا حثـوتـم

 

بأيديكم علي مـن الـتـراب