صاعد البغدادي اللغوي

أبو العلاء صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللغوي صاحب كتاب "الفصوص"؛ روى بالمشرق عن أبي سعيد السيرافي وأبي علي الفارسي وأبي سليمان ا لخطابي، ورحل إلى الأندلس في أيام هشام بن الحكم وولاية المنصور ابن أبي عامر في حدود الثمانين والثلثمائة، وأصلة من بلاد الموصل، ودخل بغداد، وكان عالماً باللغة والأدب والأخبار سريع الجواب حسن الشعر طيب المعاشرة ممتعاً، فأكرمه المنصور وزاد في الإحسان إليه والإفضال عليه، وكان مع ذلك محسناً للسؤال حاذقاً في استخراج الأموال، وجمع له كتاب "الفصوص" نحا فيه منحى القالي في أماليه، وأثابه عليه خمسة آلاف دينار، وكان يتهم بالكذب في نقله، فلهذا رفض الناس كتابه.

ولما دخل مدينة دانية وحضر مجلس الموفق مجاهد بن عبد الله العامري أمير البلد كان في المجلس أديب يقال له بشار، فقال للموفق مجاهد: دعني أعبث بصاعد، فقال له مجاهد لا تتعرض إليه فإنه سريع الجواب، فأبى إلا مشاكلته، فقال له بشار، وكان أعمى: يا أبا العلاء، فقال: لبيك، فقال: ما الجرنفل في كلام العرب؟ فعرف أبو العلاء أنه قد وضع هذه الكلمة وليس لها أصل في اللغة، فقال له بعد أن أطرق ساعة: هو الذي يفعل بنساء العميان ولا يفعل بغيرهن، ولا يكون الجرنفل جرنفلاً حتى لا يتعداهن إلى غيرهن، وهو في ذلك كله يصرح ولا يكني، قال: فخجل بشار وانكسر، وضحك من كان حاضراً، فقال له الموفق: قلت لك لا تفعل فلم تقبل.

وتوفي صاعد المذكور سنة سبع عشرة وأربعمائة بصقيلة، رحمه الله.

ولما ظهر للمنصور كذبه في النقل وعدم تثبيته، رمى كتاب "الفصوص" في النهر، لأنه قيل له: جميع ما فيه لا صحة له، فعمل فيه بعض شعراء عصره:

 

قد غاص في البحر كتاب الفصوص

 

وهـكـذا كـل ثـقـيل يغـوص

 

فلما سمع صاعد هذا البيت أنشد:

عاد إلـى عـنـصـره إنـمــا

 

يخرج من قعر البحور الفصوص

وله أخبار كثيرة في الامتحان، ولولا التطويل لذكرتها.

والجرنفل: بفتح الجيم والراء وسكون النون وضم الفاء وبعدها لام.