أسد الدين شيركوه

أبو الحارث شيركوه بن شاذي بن مروان الملقب الملك المنصور أسد الدين عم السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى؛ قد تقدم من حديثه نبذة في أخبار شاور، وكان شاور قد وصل إلى الشام يستنجد بنور الدين في سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وذكر بهاء الدين بن شداد أن ذلك كان في سنة ثمان وخمسين، وأنهم وصلوا إلى مصر في الثاني من جمادى الآخرة من السنة المذكورة، حكاه في "سيرة صلاح الدين" رحمه الله تعالى، فسير معه جماعة من عسكره، وجعل مقدمهم أسد الدين شيركوه، وقدموا مصر، وغدر بهم شاور ولم يف بما وعدهم به، فعادوا إلى دمشق، وكان رحيلهم عن مصر في السابع من ذي الحجة من السنة المذكورة. ثم إنه عاد إلى مصر، وكان توجهه إليها في شهر ربيع الول من سنة اثنتين وستين، لأنه طمع في ملكها في الدفعة الأولى، وسلك طريق وادي الغزلان، وخرج عند إطفيح، وكانت في تلك الدفعة وقعة البابين عند الأشمونين، وتوجه السلطان صلاح الدين إلى الاسكندرية واحتمى بها، وحاصره شاور وعسكر مصر.

ثم رجع أسد الدين من الصعيد إلى بلبيس، وجرى الصلح بينه وبين المصريين، وسيروا له صلاح الدين، وعاد إلى الشام، ولما وصل الفرنج إلى بلبيس وملكوها وقتلوا أهلها في سنة أربع وستين، سيروا إلى أسد الدين وطلبوه ومنوه ودخلوا في مرضاته لأن ينجدهم، فمضى إليهم وطرد الفرنج عنهم. وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، وعزم شاور على قتله وقتل الأمراء الكبار الذين معه، فبادروه وقتلوه كما تقدم في ترجمته.

وتولى أسد الدين الوزارة يوم الأربعاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين وخمسمائة، وأقام بها شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة يوم السبت الثاني والعشرين، وقال الروحي: يوم الأحد الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع وستين وخمسمائة بالقاهرة، ودفن بها، ثم نقل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مدة بوصية منه، رحمه الله تعالى، وتولى مكانه صلاح الدين.

وقال ابن شداد في "سيرة صلاح الدين": إن أسد الدين كان كثير الأكل، شديد المواظبة على تناول اللحوم الغليظة، تتواتر عليه التخم والخوانيق وينجو منها بعد مقاساة شدة عظيمة، فأخذه مرض شديد، واعتراه خانوق عظيم فقتله في التاريخ المذكور، ولم يخلف ولداً سوى ناصر الدين محمد بن شيركوه الملقب الملك القاهر.

ولما مات أسد الدين أخذ نور الدين حمص منهم في رجب سنة أربع وستين وخمسمائة. فلما ملك صلاح الدين الشام أعطى حمص لناصر الدين المذكور، ولم يزل ملكها حتى توي يوم عرفة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ونقلته زوجته بنت عمه ست الشام بنت أيوب إلى تربتها بمدرستها بدمشق ظاهر البلدن ودفنته عند أخيها شمس الدولة توران شاه بن أيوب ا لمقدم ذكره.

وملك حمص بعده ولده أسد الدين شيركوه، ومولده في سنة تسع وستين وخمسمائة، وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر رجب سنة سبع وثلاثين وستمائة بحمص، ودفن في تربته داخل البلد. وكانت له أيضاً الرحبة وتدمر وماكسين من بلد الخابور.

وخلف جماعة من الأولاد، فقام مقامه في الملك ولده الملك المنصور ناصر الدين إبراهيم. ولم يزل حتى توفي يوم الجمعة عاشر صفر سنة أربع وأربعين وستمائة بالنيرب من غوطة دمشق، ونقل إلى حمص، ودفن ظاهر البلد في مسجد الخضر عليه السلام من جههتها القبلية.
وترتب مكانه ولده الملك الأشرف مظفر الدولة أبو الفتح موسى. وأخبرني الأشرف المذكور بدمشق في أواخر سنة إحدة وستين وستمائة أن مولده في السنة التي كسر فيها الخوارزمية بالروم، وأن والده بشر به وهم راجعون من هناك. وكانت الوقعة في شهر رمضان سنة سبع وعشرين وستمائة حسبما هو مشروح في ترجمة الأشرف بن العادل وقال لي: إن والده لما بشر به قال للملك الأشرف بن العادل: يا خوند قد زاد في مماليكك واحد، فقال: سمه باسمي، فسماه الأشرف مظفر الدين أبا الفتح موسى.

وكانت وفاة الأشرف بن المنصور المذكور بحمص يوم الجمعة عاشر صفر سنة اثنتين وستين وستمائة، ودفن عند قبر أسد الدين شيركوه جده داخل حمص، فيكون تقدير ولادته في شوال أو ذي القعدة سنة سبع وعشرين.

وشيركوه: لفظ عجمي تفسيره بالعربي أسد الجبل، فشير: أسد، وكوه: جبل.

وحج شيركوه في سنة خمس وخمسين وخمسمائة من دمشق على طريق تيماء وخيبر، وفي تلك السنة حج زين الدين علي بن بكتكين على طريق العراق، واجتمع بالخليفة.