صالح بن عبد القدوس

أبو الفضل صالح بن عبد القدوس البصري مولى الأزد، أحد الشعراء، اتهمه المهدي بالزندقة فأمر بحمله، فأحضر، فلما خاطبه أعجب بغزارة أدبه وعلمه وبراعته وحسن بيانه وكثرة حكمته فأمر بتخلية سبيله، فلما ولى رده وقال: ألست القائل:

والشيخ لا يتـرك أخـلاقـه

 

حتى يوارى في ثرى رمسه

إذا ارعوى عاد إلى جهلـه

 

كذي الضنى عاد إلى نكسه

 

قال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: فأنت لا تترك أخلاقك، ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك، ثم أمر به فقتل وصلب على الجسر؛ ويقال إن المهدي أبلغ عنه أبياتاً عرض فيها بذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فأحضره المهدي وقال له: أنت القائل هذه الأبيات؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ما أشركت بالله طرفة عين، فاتق الله ولا تسفك جمي على الشبهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادرأوا الحدود بالشبهات، وجعل يتلو عليه القرآن حتى رق له وأمر بتخليته. فلما ولى قال: أنشدني قصيدتك السينية، فأنشده حتى بلغ إلى قوله فيها: والشيخ لا يترك أخلاقه... فأمر به حينئذ فقتل.

 

ومن مستحسنات قصائد صالح المذكور القصيدة التي أولها:

المرء يجمع والـزمـان يفـرق

 

ويظل يرقع والخطوب تمـزق

وزن الكلام إذا نطقت فـإنـمـا

 

يبدي عيوب ذوي العقول المنطق

ومن الرجال إذا استوت أحلامهم

 

من يستشار إذا استشير فيطـرق

حتى يجيل بـكـل واد قـلـبـه

 

فيرى ويعرف ما يقول فينطـق

ما الناس إلا عاملان فـعـامـل

 

قد مات من عطش وآخر يغرق

والناس في طلب المعاش فإنمـا

 

بالجد يرزق منهـم مـن يرزق

لو يرزقون الناس حسب عقولهم

 

ألفيت أكثر من ترى يتـصـدق

لكنه فضل المـلـيك عـلـيهـم

 

هذا عليه مـوسـع ومـضـيق

وإذا الجنازة والعروس تـلاقـيا

 

ورأيت دمع نـوائح يتـرقـرق

سكت الذي تبع العروس مبهـتـاً

 

ورأيت من تبع الجنازة ينطـق

 

ومن مختار شعره:

ان الغني الذي يرضى بعـيشـتـه

 

لا من يظل على ما فات مكتـئبـا

لا تحقرن مـن الأيام مـحـتـقـراً

 

كل امرئ سوف يجزى بالذي اكتسبا

قد يحفز المرء ما يهوى فيركـبـه

 

حتى يكون إلى توريطـه سـبـبـا

قال أحمد بن عبد الرحمن المعبر: رأيت صالح بن عبد القدوس في المنام ضاحكاً مستبشراً فقلت له: ما فعل بك ربك، وكيف نجوت مما كنت ترمى به؟ قال: إني وردت على رب لا تخفى عليه خافية، فاستقبلني برحمته وقال: لقد علمت براءتك مما كنت تقذف به. وكان قتله سنة سبع وستين ومائة.