أبو الطيب الطبري

أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر الطبري القاضي الفقيه الشافعي؛ كان ثقة صادقاً ديناً ورعاً عارفاً بأصول الفقه وفروعه، محققاً في علمه، سليم الصدر حسن الخلق صحيح المذهب، يقول الشعر على طريقة الفقهاء.

ومن شعره ما أورده له الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي-المقدم ذكره-في الجزء الذي وضعه في أخبار أبي العلاء المعري، فقال مسنداً عنه: كتبت إلى أبي العلاء المعري الأديب حين وافى ببغداد، وكان قد نزل في سويقة غالب:

وما ذات در لا يحل لـحـالـب

 

تناوله واللحم منهـا مـحـلـل

لمن شاء في الحالين حياً ومـيتـاً

 

ومن شاء شرب الدر فهو مضلل

إذا طعنت في السن فاللحم طيب

 

وآكله عند الجمـيع مـغـفـل

وخرفانها للأكل فـيهـا كـزازة

 

فما لحصيف الرأي فيهن مأكـل

وما يجتني معـنـاه إلا مـبـرز

 

عليم بأسرار القلوب محـصـل

 

فأجابني وأملى على الرسول في الحال ارتجالاً:

جوابان عن هذا السؤال كلاهمـا

 

صواب، وبعض القائلين مضلـل

فمن ظنه كرماً فلـيس بـكـاذب

 

ومن ظنه نخلاً فلـيس يجـهـل

لحومهما الأعناب والرطب الـذي

 

هو الحل، والدر الرحيق المسلسل

ولكن ثمار النخل وهي غضـيضة

 

تمر وغض الكرم يجنى ويؤكـل

يكلفني القاضي الجليل مـسـائلاً

 

هي النجم قدراً بل أعز وأطـول

ولو لم أجب عنها لكنت بجهلـهـا

 

جديراً ولكن من يودك مـقـبـل

 

فأجبته عنه، وقلت:

أنار ضمير مـن يعـز نـظـيره

 

من الناس طراً سابغ الفضل مكمل

ومن قلبه كتب العلوم بـأسـرهـا

 

وخاطره في حدة النار مشـعـل

تساوى له سر المعاني وجهـرهـا

 

ومعضلها باد لـديه مـفـصـل

ولما أنار الحـب قـاد مـنـيعـه

 

أسيراً بأنـواع الـبـيان يكـبـل

وقربه من كل فهـم بـشـكـفـه

 

وإيضاحه حتى رآه الـمـغـفـل

وأعجب منه نظمه الدر مسـرعـاً

 

ومرتجلاً من غير ما يتـمـهـل

فيخرج من بحر ويسمو مـكـانـه

 

جلالاً إلى حيث الكواكب تـنـزل

فهنأه الله الـكـريم بـفـضـلـه

 

محاسنه والعمر فيهـا مـطـول

 

فأجاب مرتجلاً وأملى على الرسول:

ألا أيها القاضـي الـذي بـدهـائه

 

سيوف على أهل الخلاف تسـلـل

فؤادك ممهور من العـلـم آهـل

 

وجدك في كل المسائل مـقـبـل

فإن كنت بين الناس غير مـمـول

 

فأنت من الفهم المصون مـمـول

إذا أنت خاطبت الخصوم مـجـادلاً

 

فأنت، وهم مثل الحمـائم، أجـدل

كأنك من في الشافعي مخـاطـب

 

ومن قلبه تملي فما تـتـمـهـل

وكيف يرى علم ابن إدريس دارسـاً

 

وأنت بإيضاح الهدى مـتـكـفـل

تفضلت حتى ضاق ذرعي بشكر ما

 

فعلت وكفي عن جوابك أجـمـل

لأنك في كنه الـثـريا فـصـاحة

 

وأعلى ومن يبغي مكانك أسـفـل

فعذرك في أني أجبـتـك واثـقـاً

 

بفضلك فالإنسان يسهـو ويذهـل

وأخطأت في إنفاذ رقعتك الـتـي

 

هي المجد لي منهـا أخـير وأول

ولكن عداني أن أروم احتفاظـهـا

 

رسولك وهو الفاضل المتفـضـل

ومن حقها أن يصبح المسك عامراً

 

لها وهي في أعلى المواضع تجعل

فمن كان في أشعاره مـتـمـثـلاً

 

فأنت امرؤ في العلم والشعر أمثل

تجملت الدنـيا بـأنـك فـوقـهـا

 

ومثلك حقاً من بـه تـتـجـمـل

 

وذكر السمعاني في "الذيل" في ترجمة أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين بن محمويه اليزدي أنه كان له عمامة وقميص بينه وبين أخيه: إذا خرج ذاك قعد هذا في البيت، وإذا خرج هذا احتاج ذاك أن يقعد. قال السمعاني: وسمعته يقول يوماص، وقد دخلت عليه مع علي بن الحسين الغزنوي الواعظ مسلماً داره، فوجدناه عرياناً، متأزراً بمئزر، فاعتذر من العري وقال: نحن إذا غسلنا ثيابنا نكون كما قال القاضي أبو الطيب الطبري:

 

قوم إذا غسلوا ثياب جمالـهـم

 

لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل

عاش مائة سنة وسنتين، لم يختل عقله ولا تغير فهمه، يفتي ويستدرك على الفقهاء الخطأ ويقضي ببغداد ويحضر المواكب في دار الخلافة إلى أن مات.

تفقه بآمل على أبي علي الزجاجي صاحب ابن القاص، وقرأ على أبي سعد الإسماعيلي وأبي القاسم بن كج بجرجان، ثم ارتحل إلى نيسابور، وأدرك أبا الحسن الماسرجسي فصحبه أربع سنين وتفقه عليه، ثم ارتحل إلى بغداد وحضر مجلس الشيخ ابي حامد الاسفرايني. وعليه اشتغل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وقال في حقه: "لم أر فيمن رأيت أكمل اجتهاداً واشد تحقيقاً وأجود نظراً منه".

وشرح مختصر المزني وفروع أبي بكر ابن الحداد المصري، وصنف في الأوصل والمذهب والخلاف والجدل كتباً كثيرة.

وقال الشيخ أبو إسحاق: "لازمت مجلسه بضع عشرة سنة، ودرست أصحابه في مسجده سنين بإذنه، ورتبني في حلقته".

واستوطن بغداد وولي القضاء بربع الكرخ بعد موت أبي عبد الله الصيمري، ولم يزل على القضاء إلى حين وفاته.

وكان مولده بآمل سنة ثمان وأربعين وثلثمائة، وتوفي في شهر ربيع الأول يوم السبت لعشر بقين منه سنة خمسين واربعمائة، رحمه الله تعالى، ببغداد، ودفن من الغد في مقبرة باب حرب وصلي عليه في جامع المنصور.

والطبري: قد تقدم الكلام عليه أنه منسوب إلى طبرستان.

وآمل: بمد الهمزة وضم الميم وبعدها لام، مدينة عظيمة هي قصبة طبرستان.