أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، من أبناء الفرس؛ أحد الاعلام التابعين، سمع ابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهما، وروى عنه مجاهد وعمرو بن دينار، وكان فقيهاً جليل القدر نبيه الذكر. قال ابن عيينة: قلت لعبيد الله بن يزيد: مع من تدخل على ابن عباس؟ قال: مع عطاء وأصحابه. قلت: وطاوس؟ قال: أيهات، كان ذلك يدخل مع الخواص. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحداص قط مثل طاوس.
ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إليه طاوس المذكور: إن أردت أن يكون عملك خيراً كله فاستعمل أهل الخير، فقال عمر: كفى بها موعظة.
وتوفي حاجاص بمكة قبل يوم التروية بيوم، وصلى عليه هشام بن عبد الملك وذلك في سنة ست ومائة رضي الله عنه، وقيل سنة أربع ومائة، والله أعلم. قال بعض العلماء: مات طاوس بمكة فلم يتهيأ إخراج جنازته لكثرة الناس، حتى وجه إبراهيم بن هشام المخزومي أمير مكة بالحرس، فلقد رأيت عبد الله ابن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، واضع السرير على كاهله، وقد سقطت قلنسوة كانت على رأسه ومزق رداؤه من خلفه.
ورايت بمدينة بعلبك داخل البلد قبراً يزار، وأهل البلد يزعمون أنه طاوس المذكور، وهو غلط.
قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب "الألقاب" إن اسمه ذكوان، وطاوس لقبه وإنما لقب به لأنه كان طاوس القراء، والمشهور أنه اسمه.
وحكي أن هشام بن عبد الملك قدم حاجاً إلى بيت الله الحرام، فلما دخل الحرم قال: إيتوني برجل من الصحابة، فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا، قال: فمن التابعين، فأتي بطاوس اليماني، فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم يسلم بإمرة المؤمنين ولم يكنه وجلس إلى جانبه بغير إذنه وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب من ذلك غضباً شديداً حتى هم بقتله، فقيل: يا أمير المؤمنين أنت في حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لا يمكن ذلك، فقال له: يا طاوس، ما حملك على ما صنعت؟ قال: وما صنعت؟ فاشتد غضبه له وغيظه وقال: خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين ولم تكنني وجلست بإزائي بغير إذني وقلت: يا هشام كيف أنت؟ قال: أما خلع نعلي بحاشية بساطك فإني أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات فلا يعاتبني ولا يغضب علي؛ وأما ما قلت: لم تسلم علي بإمرة المؤمنين فليس كل المؤمنين راضين بإمرتك فخفت أن أكون كاذباً؛ وأما ما قلت: لم تكنني فإن الله عز وجل سمى أنبياءه، قال: يا داود يا يحيى يا عيسى، وكنى أعداءه فقال: "تبت يدا أبي لهب وتب"؛ وأما قولك: جلست بإزائي، فإني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام؛ فقال له: عظني، قال: إني سمعت أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول: إن في جهنم حيات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيته. ثم قام وخرج.
قالت امرأة ماجنة ما بقي أحد إلا فتنته ما خلا طاوس فإني تعرضت له فقال: إذا كان وقت كذا فتعالي، فجئت ذلك الوقت فذهب بي إلى المسجد الحرام فقال: اضطجعي، فقلت: ها هنا؟ فقال: الذي يرانا هنا يرانا ثم.
وقال رجل لطاوس: ادع لي، قال: ادع أنت لنفسك فإنه يجيب المضطر إذا دعاه.
ابن جريج قال، قال لي عطاء: جاءني طاوس فقال لي: يا عطاء، إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، وعليك بطلب حوائجك إلى من بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة، طلبك أن تدعوه ووعدك الإجابة.
وقال عبد الله بن طاوس: قال لي أبي: يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم، واعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن عقله.
وروي أن أير المؤمنين أبا جعفر المنصور استدعى عبد الله بن طاوس المذكور ومالك بن أنس رحمهما الله تعالى، فلما دخلا عليه أطرق ساعة، ثم التفت إلى ابن طاوس، وقال له: حدثني عن أبيك؟ فقال: حدثني أبي أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله تعالى في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه، فأمسك أبو جعفر ساعة؛ قال مالك: فضممت ثيابي خوفاً أن يصيبني دمه. ثم قال له المنصور: ناولني تلك الدواة، ثلاث مرات، فلم يفعل، فقال له: لم لا تناولني؟ فقال: أخاف أن تكتب بها معصية فأكون قد شاركتك فيها، فلما سمع ذلك قال: قوما عني، قال: ذلك ما كنا نبغي. قال مالك: فما زلت أعرف لابن طاوس فضله من ذلك اليوم.
والخولاني: بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبعدها لام ألف ثم نون، هذه النسبة إلى خولان، واسمه أفكل بن عمرو بن مالك، وهي قبيلة كبيرة نزلت بالشام.
والهمداني: بسكون الميم وفتح الدال المهملة، قد تقدم الكلام عليه ونسبته إليهم بالولاء.