أبو بردة ابن أبي موسى الأشعري

أبو بردة ابن أبي موسى الأشعري

أبو بردة عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري؛ كان أبوه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم عليه من اليمن في الأشعريين، فأسلموا. وأبو بردة كان قاضياً على الكوفة، وليها بعد القاضي شريح، هكذا ذكره محمد ابن سعد في " كتاب الطبقات "، وله مكارم ومآثر مشهورة. " وكان أبو موسى تزوج في عمله على البصرة طنية بنت دمون، وكان أبوها رجلاً من أهل الطائف، فولدت له أبا بردة، فاسترضع له في بني فقيم في آل الغرق وسماه أبو موسى عامراً، فلما شب كساه أبو شيخ ابن الغرق بردتين وغدا به إلى أبيه فكناه أبا بردة، فذهب اسمه ".

وكان ولده بلال قاضياً على البصرة، وهم الذين يقال في حقهم: ثلاثة قضاة في نسقٍ؛ فإن أبا موسى رضي الله عنه قضى لعمر رضي الله عنه بالبصرة ثم قضى بالكوفة في زمن عثمان رضي الله عنه. وبلال المذكور هو ممدوح ذي الرمة وله فيه غر المدائح، وفيه يقول مخاطباً لناقته:

 

إذا ابن أبي موسى بلال بلغته

 

فقام بفأس بين وصليك جازر

 

وفيه يقول أيضاً:

سمعت الناس ينتجعون غيثاً

 

فقلت لصيدح انتجعي بلالا

وصيدح: اسم ناقته، وهو بفتح الصاد المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح الدال المهملة وبعدها حاء مهملة.

وكان بلال أحد نواب خالد بن عبد الله القسري - المقدم ذكره في حرف الخاء - فلما عزل وولي موضعه يوسف بن عمر الثقفي على العراقين حاسب خالداً ونوابه وعذبهم، فمات خالد من عذابه ومات بلال من عذابه أيضاً.

ورأيت في بعض المجاميع أن أبا بردة جلس يوماً يفتخر بأبيه ويذكر فضائله وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان في مجلس عام وفيه الفرزدق الشاعر، فلما أطال القول في ذلك أراد الفرزدق أن يغض منه فقال: لو لم تكن لأبي موسى منقبة إلا أنه حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم لكفاه، فامتعض أبو بردة من ذلك ثم قال: صدقت، لكنه ما حجم أحداً قبله ولا بعده، فقال الفرزدق: كان أبو موسى والله أفضل من أن يجرب الحجامة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسكت أبو بردة على غيظ.

وحكى غرس النعمة بن الصابئ في بعض تصانيفه أن أبا صفوان خالد ابن صفوان التميمي المشهور بالبلاغة كان يدخل على بلال بن أبي بردة المذكور فيحدثه فيلحن في كلامه، فلما كثر ذلك على بلال قال له: يا خالد، تحدثني أحاديث الخلفاء وتلحن لحن السقاءات، يعني النساء اللواتي يسقين الماء للناس، فصار خالد بعد ذلك يأتي المسجد ويتعلم الإعراب، وكف بصره، فكان إذا مر به موكب بلال يقول: من هذا؟ فيقال: الأمير، فيقول خالد: سحابة صيف عن قليل تقشع، فقيل ذلك لبلال فقال: لا تقشع والله حتى يصيبك منها شؤبوب، وأمر به فضرب مائتي سوط.

وكان خالد كثير الهفوات لا يتأمل ما يقول ولا يفكر فيه، وهو من ذرية عمرو بن الأهتم التميمي الصحابي رضي الله عنه، فإن خالد بن صفوان ابن عبد الله بن عمرو بن الأهتم بن سمي بن سنان بن خالد بن منقر التميمي المنقري، واسم الأهتم بسنان، وإنما قيل له الأهتم لأن قيس بن عاصم المنقري ضربه بقوس فهتم ثناياه، وقيل بل هتمت يوم الكلاب، والله أعلم.

وشبيب بن شيبة ابن عم خالد المذكور.

وكانت وفاة أبي بردة المذكور في سنة ثلاث ومائة بالكوفة، وقيل سنة أربع، وقيل سنة ست أو سبع ومائة، وقال ابن سعد: مات أبو بردة والشعبي في سنة ثلاث ومائة في جمعة واحدة، رحمهما الله تعالى.

وسيأتي الكلام على الأشعري في ترجمة أبي الحسن إن شاء الله تعالى.