أبو المنصور ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني الجذامي الإسكندراني المعروف بالحداد الشاعر المشهور؛ كان من الشعراء المجيدين وله ديوان شعر أكثره جيد، ومدح جماعة من المصريين، وروى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وغيره من الأعيان. ومن مشهور شعره قوله:
لو كـان بـالـصـبـر الـجـمـيل مـلاذه |
|
ما سـح وابـــل دمـــعـــه ورذاذه |
ما زال جـيش الـحـب يغـزو قـلـبــه |
|
حتـى وهـى وتـقـطـعــت أفـــلاذه |
لم يبـق فـيه مـع الـغـرام بـــقـــية |
|
إلا رســيس يحـــتـــويه جـــذاذه |
من كان يرغب فـي الـسـلامة فـلـيكـن |
|
أبـداً مـن الـحـدق الـمـراض عــياذه |
لا تخدعنك بالفتور فإنه نظر ير بقلبك استلذاذه |
|
|
يا أيها الرشأ الذي من طرفه |
|
سهـم إلـى حـب الـقـلـوب نـفـــاذه |
در يلـوح بـفـيك مـن نـظـــامـــه |
|
خمـر يجـول عـلـيه مـن نــبـــاذه |
وقـنـاة ذاك الـقـد كـيف تـقـومـــت |
|
وسـنـان ذاك الـلـحـظ مـا فـــولاذه |
رفـقـاً بـجـسـمـك لا يذوب فـإنـنــي |
|
أخـشـى بـأن يجـفـو عــلـــيه لاذه |
هاروت يعـجـز عـن مـواقـع سـحـره |
|
وهـو الإمـام فـمـن تـرى أسـتـــاذه |
تالله مـا عـلـقـت مـحـاسـنـك امـرءاً |
|
إلا وعـز عـلـى الـورى اسـتـنـقـاذه |
أغـريت حـيك بـالـقـلـوب فـأذعـنـت |
|
طوعـاً وقـد أودى بـهـا اسـتـحــواذه |
ما لي أتيت الحظ من أبوابه |
|
جهدي فدام نفوره ولـواذه |
إياك من طمع المنى فعزيزه |
|
كذليله وغـنـيه شـحـاذه |
منها:
ذالية ابن دريد استهوى بـهـا |
|
قوماً غداة نبت به بـغـداذه |
دانوا لزخرف قوله فتفرقـت |
|
طمعاً بهم صرعاه أو جذاذه |
من قدر الرزق السني لك أنما |
|
قد كان ليس يضره إنـفـاذه |
وهذه القصيدة من غرز القصائد. والعجب أني رأيت صاحبنا عماد الدين أبا المجد إسماعيل المعروف بابن باطيش الموصلي قد ذكر هذه الأبيات في كتابه "المغني" الذي وضعه على كتاب "المهذب" في الفقه، وفسر فيه غريبه، وتكلم على أسماء رجاله، فلما انتهى إلى ذكر أبي بكر محمد بنا لحداد المصري الفقيه الشافعي وشرح طرفاً من حاله قال بعد ذلك: وكان مليح الشعر، أنشدني بعض الفقهاء أبياتاً من قصيدة عزاها إليه، وذكر بعض هذه الأبيات المكتتبة ها هنا، وما أوقعه في هذا إلا كون ظافر يعرف بالحداد، والفقيه ابن الحداد، بجمعتهما لفظة الحداد، فمن ها هنا حصل الالتباس.
ومن شعره أيضاً:
رحلـوا فـلـولا أنـنـي |
|
أرجو الإياب قضيب نحبي |
والله مـا فـارقـتـهـم |
|
لكنني فارقت قـلـبـي |
وذكر العماد الكاتب في "الخريدة" هذين البيتين للعيني، ثم قال: كان العيني من الأجناد الأكياس، مذكوراً بالباس. وتوفي سنة ست وأربعين وخمسمائة. والصحيح أنهما لظافر الحداد، وذكرهما في "الخريدة" في ترجمة ظافر الحداد أيضاً.
وله من جملة قصيد:
يذم المحبون الرقيب ولـيت لـي |
|
من الوصل ما يشخى عليه رقيب |
وكانت وفاته بمصر في المحرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة. وقد تقدم الكلام على الجذامي.
وله أيضاً من الشعر في كرسي النسخ:
انظر بعينك في بديع صنائعـي |
|
وعجيب تركيبي وحكمة صانعي |
فكأنني كفا محـب شـبـكـت |
|
يوم الفراق أصابعاً بأصـابـع |
وذكره علي بن ظافر بن منصور في كتاب "بدائع البدائه" وأثنى عليه، وأورد فيه عن القاضي أبي عبد الله محمد بن الحسين الآمدي النائب كان في الحكم بثغر الاسكندرية المحروس، قال: دخلت على الأمير السعيد بن ظفر أيام ولايته للثغر، فوجدته يقطر دهناً على خنصره، فسألته عن سببه، فذكر ضيق خاتمه عليه وأنه ورم بسببه، فقلت له: الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر فيه، فقال: اختر من يصلح لذلك، فاستدعيت أبا المنصور ظافر بن القاسم الحداد المذكور، فقطع الحلقة، وأنشد بديهاً:
قصر عن أوصافك العامل |
|
وكثر الناثر والـنـاظـم |
من يكن البحر لـه راحة |
|
يضيق عن خنصره الخاتم |
فاستحسنه الأمير ووهب له الحلقة، وكانت من ذهب. وكان بين يدي الأمير غزال مستأنس، وقد ربض وجعل رأسه في حجره، فقال ظافر بديهاً:
عجبت لجرأة هذا الغزال |
|
وأمر تخطى له واعتمـد |
وأعجب به إذا بدا جائعـاً |
|
وكيف اطمأن وأنت الأسد |
فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان. وتأمل ظافر شيئاً كان على باب المجلس يمنع الطير من دخولها فقال:
رأيت ببابك هذا المنـيف |
|
شباكاً فأدركني بعض شك |
وفكر فيما رأى خاطـري |
|
فقلت البحار مكان الشبك |
ثم انصرف وتركنا متعجبين من حسن بديهته، رحمه الله تعالى وغفر له.