ابن عمر

أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، القرشي العدوي؛ أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم، وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فرده لصغر سنه، فعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه، وكان من أهل الورع والعلم، وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه وكل ما تأخذ به نفسه، وكان لا يتخلف عن السرايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان بعد موته مولعاً بالحج قبل الفتنة وفي الفتنة إلى أن مات.

ويقولون: إنه كان أعلم الصحابة بمناسك الحج، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين حفصة بنت عمر: " إن أخاك عبد الله رجل صالح، لو كان يقوم من الليل "؛ فما ترك ابن عمر بعدها قيام الليل.

وقال جابر بن عبد الله: ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها، ما خلا عمر وابنه عبد الله.

وقال ميمون بن مهران: ما رأيت أورع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس. وقال سعيد بن المسيب: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة، لشهدت لعبد الله بن عمر.

وحكى الأصمعي قال: حدثنا أبو عبد الرحمن - وهو أبو الزناد - عن أبيه، قال: اجتمع في الحجر: مصعب وعروة وعبد الله بنو الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: نتمنى، فقال مصعب بن الزبير: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين. وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، قال: فنالوا ما تمنوا؛ ولعل ابن عمر قد غفر له.

وحكى سفيان الثوري عن طارق بن عبد العزيز عن الشعبي، قال: لقد رأيت عجباً، كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان، فقال القوم بعدما فرغوا من صلاتهم: ليقم رجل منكم فليأخذ الركن اليماني وليسأل الله حاجته، فإنه يعطى من ساعته، قم يا عبد الله بن الزبير، فإنك أول مولود ولد في الهجرة، فقام وأخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم، أسألك بحرمة عرشك وحرمة وجهك وحرمة نبيك، عليه الصلاة والسلام، أن لا تميتني حتى توليني الحجاز، ويسلم عليّ بالخلافة، وجاء حتى جلس، فقال: قم يا مصعب، فقام حتى أخذ بالركن اليماني، فقال: اللهم إنك رب كل شيء، وإليك يصير كل شيء، أسألك بقدرتك على كل شيء، أن لا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق، وتزوجني سكينة بنت الحسين، وجاء حتى جلس، فقال: قم يا عبد الملك، فقام وأخذ بالركن اليمان، وقال: اللهم رب السموات السبع، ورب الأرض ذات القفر، أسألك بما سألك عبادُك المطيعون لأمرك، وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقك على جميع خلقك، وبحق الطائفي حول بيتك، أن لا تميتني من الدنيا حتى توليني شرق الأرض وغربها ولا ينازعني أحد إلا أتيت برأسه، ثم جاء حتى جلس، فقال: قم يا عبد الله بن عمر، فقام حتى أخذ بالركن اليماني، ثم قال: اللهم إنك رحمن رحيم، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك، أن لا تميتني من الدنيا حتى توجب لي الجنة، قال الشعبي: فما ذهبت عيناي من الدنيا حتى رأيت لكل رجل ما سأل وبشر عبد الله بن عمر بالجنة ورؤيت له.

وحكى حمزة بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: خطرت لي هذه الآية: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)، فذكرت ما أعطاني الله عز وجل فما وجدت شيئاً أحب إلي من جاريتي رمينة، فقلت: هي حرة لوجه الله، فلولا أني أعود في شيء جعلته لله لنكحتها، فأنكحها نافعاً، فهي أم ولده.

وكان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه إلى ربه عز وجل.

قال نافع: كان رقيقه قد عرفوا ذلك منه، فربما شمر أحدهم فيلزم المسجد، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحالة الحسنة أعتقه، فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن، والله ما بهم إلا أن يخدعوك، فيقول: ما خدعنا أحد بالله إلا انخدعنا له.

قال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان، أو ما زاد، وكان يحيي الليل صلاةً، فإذا جاء السحر استغفر إلى الصباح.

وتوفي بمكة سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وثمانين سنة، وكان قد أوصى أن يدفن في الليل، فلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج، ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين.

وكان الحجاج قد أمر رجلاً سمّ زجّه وزحمه في الطريق، ووضع الزج على ظهر قدمه، وذلك أن الحجاج خطب يوما وأخر الصلاة، فقال ابن عمر: إن الشمس لا تنتظرك، فقال له الحجاج: لقد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك، قال: إن تفعل فإنك سفيه مسلّط. وقيل: إنه أخفى قوله ذلك على الحجاج ولم يسمعه، وإنما كان يتقدمه في المواقف بعرفة وغيرها إلى المواضع التي كان النبي صلى الله عليه وسلم وقف فيها، وكان ذلك يعز على الحجاج، فأمر الحجاج رجلاً معه حربة يقال إنها كانت مسمومة، فلما دفع الناس من عرفة لصق به ذلك الرجل، فأمرّ الحربة على قدمه، وهي في غرز راحلته، فمرض منها أياماً، فدخل عليه الحجاج يعوده، فقال: من سمّك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: وما تصنع به؟ قال: قتلني الله إن لم أقتله، قال: ما أراك فاعلاً، أنت أمرت من نخسني بالحربة، فقال: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن، وخرج عنه. وروي أنه قال للحجاج- إذ قال له: من سمّك؟- قال: أنت أمرت بإدخال السلاح في الحرم. فلبث أياماً ثم مات، رضي الله عنه ونفع به، وصلى عليه الحجاج.