عبد الله بن المبارك

أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي، مولى بني حنظلة، كان قد جمع بين العلم والزهد، تفقه على سفيان الثوري ومالك بن أنس رضى الله عنهما، وروى عنه الموطأ، وكان كثير الانقطاع محباً للخلوة شديدة التورع، وكذلك كان أبوه.

ويحكى عن أبيه أنه كان يعمل في بستان لمولاه وأقام فيه زماناً، ثم أن مولاه جاءه يوما وقال له: أريد رماناً حلواً، فمضى إلى بعض الشجر وأحضر منها رماناً فكسره فوجده حامضاً، فحرد عليه وقال: أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟ هات حلواً، فمضى وقطع من شجرة أخرى، فلما كسره وجده أيضاً حامضاً فاشتد حرده عليه، وفعل كذلك دفعة ثالثة، فقال له بعد ذلك: أنت ما تعرف الحلوا من الحامض؟ فقال: لا، فقال: كيف ذلك؟ فقال: لأنني ما أكلت منه شيئاً حتى أعرفه، فقال: ولم لم تأكل؟ قال: لأنك ما أذنت لي، فكشف عن ذلك فوجد قوله حقاً، فعظم في عينه وزوّجه ابنته، ويقال: إن عبد الله رزقه من تلك الابنة، فنمت عليه بركة أبيه. ورأيت في بعض التواريخ هذه القضية منسوبة إلى إبراهيم بن أدهم العبد الصالح، رضي الله عنه، وكذا ذكرها الطرطوشي في أول " سراج الملوك " لابن أدهم.

ونقل أبو علي الغساني الجياني أن عبد الله بن المبارك المذكور سئل: أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد، فما بعد هذا؟ "ووقفت في كتاب " النصوص على مراتب أهل الخصوص " عن أشعث بن شعبة المصيصي قال: قدم هارون الرشيد الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج الخشب، فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان ".

وكان لعبد الله شعر، فمن ذلك قوله:

قد يفتح المرء حانوتاً لمتجـره

 

وقد فتحت لك الحانوت بالدين

بين الأساطين حانوت بلا غلق

 

تبتاع بالدين أموال المساكـين

صيّرت دينك شاهيناً تصيد به

 

وليس يفلح أصحاب الشواهين

 

" وكان إذا خرج إلى مكة حرسها الله تعالى يقول:

بعض الحياة وخوف الله أخرجني

 

وبيع نفسي لما ليست له ثمـنـا

اني وزنت الذي يبقى ليعـدلـه

 

ماليس يبقى فلا والله ما اتزنا "

ومن كلامه: تعلمنا العلم للدنيا فدلنا على ترك الدنيا.

وكان عبد الله قد غزا، فلما انصرف من الغزو وصل إلى هيت فتوفي بها في رمضان سنة إحدى، وقيل اثنتين وثمانين ومائة، ومولده بمرو سنة ثماني عشرة ومائة، رضى الله عنه.

وهيت: بكسر الهاء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها تاء مثناة من فوقها، مدينة على الفرات فوق الأنبار من أعمال العراق لكنها في بر الشام والأنبار في بر بغداد، والفرات يفصل بينهما، ودجلة تفصل بين الأنبار وبغداد، وقبره ظاهر يزار بها، وقد جمعت أخباره في جزأين.