الناشي الأكبر

أبو العباس عبد الله بن محمد الناشي الأنباري المعروف بابن ِشرشير الشاعر؛ كان من الشعراء المجيدين، وهو في طبقة ابن الرومي والبحتري وأنظارهما، وهو الناشي الأكبر - وسيأتي ذكر الناشي الأصغر إن شاء الله تعالى - وكان نحوياً عروضياً متكلماً، أصله من الأنبار، وأقام ببغداد مدة طويلة ثم خرج إلى مصر، وأقام بها إلى آخر عمره. وكان متبحراً في عدة علوم من جملتها علم المنطق. وكان بقوة علم الكلام قد نقض علل النحاة، وأدخل على قواعد العروض شبهاً، ومثَّلها بغير أمثلة الخليل، وكلُّ ذلك بحذقه وقوة فطنته.

وله قصيدة في فنون من العلم على رويّ واحد تبلغ أربعة آلاف بيت، وله عدة تصانيف جميلة، وله أشعار كثيرة في جوارح الصيد وآلاته، والصُّيود وما يتعلق بها، كأنه كان صاحب صيد، وقد استشهد كشاجم بشعره في كتاب "" المصايد والمطارد "" في مواضع، منها قصائد ومنها طرديات على أسلوب أبي نواس ومنها مقاطيع، وقد أجاد في الكل، فمن ذلك قوله طردية في وصف بازٍ:

لما تفرى الليل عن أثـبـاجـه

 

وارتاح ضوء الصبح لانبلاجه

غدوت أبغي الصيد في منهاجه

 

بأقمرٍ أبـدع فـي نـتـاجـه

ألبسه الخالـق مـن ديبـاجـه

 

وشياً يحار الطرف في اندراجه

في نسقٍ منه وفي انعـراجـه

 

وزان فوديه إلى حـجـاجـه

بزينةٍ كفـتـه نـظـم تـاجـه

 

منسرهُ ينبـئ عـن خـلاجـه

وظفره يخبر عـن عـلاجـه

 

لو استضاء المرء في إدلاجـه

بعينه كفتـه مـن سـراجـه

 

 

 

ومن شعره في جارية مغنية بديعة الجمال:

فديتك لو أنهم أنـصـفـوك

 

لردُّوا النواظر عن ناظريك

تردِّين أعيننـا عـن سـواك

 

وهل تنظر العين إلا إلـيك

وهم جعلوك رقيباً عـلـينـا

 

فمن ذا يكون رقيباً علـيك

ألم يقرأوا ويحهم مـا يرون

 

من وحي حسنك في وجنتيك

وشعره كثير، ونقتصر منه على هذا القدر.

وكانت وفاته في مصر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، رحمه الله تعالى.

والناشي: بفتح النون وبعد الألف شين معجمة وبعدها ياء، وهو لقب عليه.

وشرشير: بكسر الشين الأولى والثانية المعجمتين وبينهما راء ساكنة ثم ياء مثناة من تحتها وبعدها راء، وهو في الأصل: اسم طائر يصل إلى الديار المصرية في البحر في زمن الشتاء وهو أكبر من الحمام بقليل وأظنه من طير الماء، وهو كثير الوجود بساحل دمياط وأظنه يأتي من صحراء الترك، وباسمه سمي الرجل، والله أعلم.

والأنباري: بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الباء الموحدة وبعد الألف راء، هذه النسبة إلى الأنبار وهي مدينة قديمة على الفرات في جهة بغداد يفصل بينهما دجلة وهي في الجانب الغربي وبغداد في الجانب الشرقي وبينهما وبين بغداد عشرة فراسخ، خرج منها جماعة من العلماء، وهو جمع واحده نِبر، بكسر النون وسكون الباء. والأنبار: أهراءُ الطعام، وإنما قيل لهذه البليدة الأنبار لأن الملوك الأكاسرة كانوا يخزنون بها الطعام فسميت بذلك.