ابن طباطبا

أبو محمد عبد الله بن أحمد بن علي بن الحسن بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الحجازي الأصل المصري الدار والوفاة؛ كان طاهراً كريماً فاضلاً صاحب رباع وضياع ونعمة ظاهرة وعبيد وحاشية، كثير التنعم، كان بدهليزه رجل يكسر اللوز كل يوم من أول النهار إلى آخره برسم الحلوى التي ينفذها لأهل مصر من الأستاذ كافور الإخشيدي إلى من دونه، ويطلق للرجل المذكور دينارين في كل شهر أجرة عمله، فمن الناس من كان يرسل له الحلوى كل يوم، ومنهم كل جمعة، ومنهم كل شهر. وكان يرسل إلى كافور في كل يوم جامين حلوى ورغيفاً في منديل مختوم، فحسده بعض الأعيان وقال لكافور: الحلوى حسن، فما لهذا الرغيف؟ فإنه لا يحسن أن يقابلك به؛ فأرسل إليه كافور وقال: يجريني الشريف في الحلوى على العادة ويعفيني من الرغيف. فركب الشريف إليه، وعلم أنهم قد حسدوه على ذلك وقصدوا إبطاله، فلما اجتمع به قال له: أيدك الله، إنا ما ننفذ الرغيف تطاولاً ولا تعاظماً إنما هي صبيّة حسنيّةٌ تعجنه بيدها وتخبزه، فنرسله على سبيل التبرك، فإذا كرهته قطعناه. فقال كافور: لا والله لا تقطعه ولا يكون قوتي سواه. فعاد إلى ما كان عليه من إرسال الحلوى والرغيف.

ولما مات كافور وملك المعز أبو تميم معدُّ بن المنصور العبيدي الديار المصرية على يد القائد جوهر - المقدم ذكره في حرف الجيم - وجاء المعز بعد ذلك من أفريقيا وكان يطعن في نسبه، فلما قرب من البلد وخرج الناس للقائه، اجتمع به جماعة من الأشراف فقال له من بينهم ابن طباطبا المذكور: إلى من ينتسب مولانا؟ فقال له المعز: سنعقد مجلساً ونجمعكم ونسرد عليكم نسبنا. فلما استقر المعز بالقصر جمع الناس في مجلس عام وجلس لهم وقال: هل بقي من رؤساكم أحد؟ فقالوا: لم يبقى معتبر، فسلَّ عند ذلك نصف سيفه وقال: هذا نسبي، ونثر عليهم ذهباً كثيراً وقال: هذا حسبي، فقالوا جميعاً: سمعنا وأطعنا. وكان الشريف المذكور حسن المعاملة في معامليه حسن الإفضال عليهم ملاطفاً لهم، يركب إليهم وإلى سائر أصدقائه، ويقضي حقوقهم ويطيل الجلوس عندهم، وأغنى جماعة، وكان حسن المذهب. وكانت ولادته سنة ست وثمانين ومائتين. وتوفي في الرابع من رجب سنة ثمان وأربعين وثلثمائة بمصر وصلّي عليه في مصلّى العيد، وحضر جنازته من الخلق ما لا يحصي عددهم ألا الله تعالى، ودفن بقرافة مصر، وقبره معروف ومشهور بإجابة الدعاء. روي أن رجلاً حجّ وفاتته زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، فضاق صدره لذلك، فرآه في نومه صلى الله عليه وسلم، فقال له: إذا فاتتك الزيارة فزر قبر عبد الله بن أحمد بن طباطبا. وكان صاحب الرؤيا من أهل مصر. وحكى بعض من له عليه إحسان أنه وقف على قبره وأنشد:

 

وخلفت الهموم على أنـاسٍ

 

وقد كانوا بعيشك في كفاف

فرآه في نومه فقال: قد سمعت ما قلت، وحيل بيني وبين الجواب والمكافأة، ولكن صر إلى مسجد وصلّ ركعتين، وادع يستجب لك، رحمه الله تعالى.

وقد تقدم في حرف الهمزة الكلام على طباطبا.

وهذه الحكاية التي جرت له مع المعز عند قدومه مصر ذكرها في كتاب " الدول المنقطعة " لكنها تناقض تاريخ الوفاة، فإن المعز دخل مصر في شهر رمضان سنة اثنتين وستين وثلثمائة - كما سيأتي في ترجمته أن شاء الله تعالى - وابن طباطبا المذكور توفي في سنة ثمان وأربعين وثلثمائة كما هو مذكور ها هنا، فكيف يتصور الجمع بينهما؟ وأفادني تاريخ وفاته شيخنا الحافظ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري، وراجعته في هذا التناقض فقال: أما الوفاة في هذا التاريخ فهي محققة ولعل صاحب الواقعة مع المعز كان ولده، والله أعلم أي ذلك كان.

ثم رأيت تاريخ وفاته كما هو هاهنا في تاريخ الأمير المختار المعروف بالمسبّحي وقال: وكان علته قد طالت من توثة عرضت له في حنكه، فتعالج بضروب العلاجات فلم ينجع فيه شيء، وكانت علة غريبة لم يعهد مثلها.

 ثم رأيت في تاريخ ابن زولاق أن الشريف الذي التقى بالمعز هو أبو جعفر مسلم بن عبيد الله الحسيني والشريف أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الحسيني الرسي، ولعل أحدهما صاحب هذه الواقعة، والله أعلم.