الشيخ أبو البقاء

أبو البقاء عبد الله بن أبي عبد الله الحسين بن أبي البقاء عبد الله بن الحسين العكبري الأصل البغدادي المولد والدار، الفقيه الحنبلي الحاسب الفرضي النحوي الضرير، الملقب محب الدين؛ أخذ النحو عن أبي محمد ابن الخشاب المذكور بعده وعن غيره من مشايخ عصره ببغداد، وسمع الحديث من أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد المعروف بابن البطي، ومن أبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، وغيرهما. ولم يكن في آخر عمره في عصره مثله في فنونه، وكان الغالب عليه علم النحو وصنف فيه مصنفات مفيدة، وشرح كتاب " الإيضاح " لأبي علي الفارسي، وديوان المتنبي، وله كتاب " إعراب القرآن الكريم " في مجلدين، وكتاب " إعراب الحديث " لطيف، وكتاب " شرح اللمع " لابن جني، وكتاب " اللباب في علل النحو" وكتاب " إعراب شعر الحماسة" وشرح " المفصل " للزمخشري شرحاً مستوفىً وشرح " الخطب النباتية " و" المقامات الحريرية " وصنف في النحو والحساب، واشتغل عليه خلق كثير، وانتفعوا به، واشتهر اسمه في البلاد وهو حي وبعد صيته.

وكانت ولادته سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وتوفي ليلة الأحد ثامن شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وستمائة ببغداد، ودفن بباب حرب، رحمه الله تعالى.

والعكبري: بضم العين المهملة وسكون الكاف وفتح الباء الموحدة وبعدها راء، هذه النسبة إلى عكبرا، وهي بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم.

وحكى الشيخ أبو البقاء المذكور في كتاب " شرح المقامات" عند ذكر العنقاء أن أهل الرسِّ كان بأرضهم جبل يقال له " رمخ" صاعد في السماء قدر ميل، وكان به طيور كثيرة، وكانت العنقاء طائرة عظيمة الخلق، طويلة العنق، لها وجه إنسان وفيها من كل حيوان شبه، من أحسن الطير، وكانت تأتي في السنة مرة هذا الجبل فتلتقط طيره، فجاعت في بعض السنين وأعوزها الطير فانقضت على صبي فذهبت به، فسميت " عنقاء مغرباً " لإبعادها بما تذهب به، ثم ذهبت بجارية أخرى، فشكا أهل الرس إلى نبيهم حنظلة بن صفوان فدعا عليها فأصابتها صاعقة فاحترقت، والله أعلم.

قلت: هذا حنظلة بن صفوان نبي أهل الرسّ، كان في زمن الفترة بين عيسى والنبي عليهما الصلاة والسلام. ثم رأيت في تاريخ أحمد بن عبد الله بن أحمد الفرغاني نزيل مصر أن العزيز نزار بن المعز صاحب مصر اجتمع عنده من غرائب الحيوان ما لم يوجد عنده غيره، فمن ذلك العنقاء، وهو طائر جاءه من صعيد مصر في طول البلشوم، وأعظم جسماً منه، له غبب ولحية وعلى رأسه وقاية، وفيه عدة ألوان ومشابه من طيور كثيرة، والله أعلم.

ثم وجدت في أواخر كتاب " ربيع الأبرار " تأليف العلاَّمة أبي القاسم الزمخشري في باب الطير عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن الله تعالى خلق في زمن موسى عليه السلام طائرة اسمها العنقاء لها أربعة أجنحة من كل جانب، ووجهها كوجه الإنسان، وأعطاها من كل شيء حسنٍ قسطاً وخلق لها ذكراً مثلها، وأوحى إليه أني خلقت طائرين عجيبين وجعلت رزقهما في الوحوش التي حول بيت المقدس وآنستك بهما وجعلتهما زيادة فيما فضلت به بني إسرائيل، فتناسالا وكثر نسلهما، فلما توفي موسى عليه السلام انتقلت فوقعت بنجد والحجاز، فلم تزل تأكل الوحش وتخطف الصبيان إلى أن نُبِّئ خالد بن سنان العبسي بين عيسى ومحمد عليهما السلام، فشكوها إليه، فدعا الله فقطع نسلها وانقرضت، والله أعلم.