البطليوسي

أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي النحوي؛ كان عالماً بالآداب واللغات متبحراً فيهما مقدماً في معرفتهما وإتقانهما، سكن مدينة بلنسية، وكان الناس يجتمعون إليه ويقرأون عليه ويقتبسون منه، وكان حسن التعليم جيد التفهيم ثقة ضابطأ، ألف كتباً نافعة ممتعة منها: كتاب " المثلث " في مجلدين، اتى فيه بالعجائب ودل على اطلاع عظيم، فإن " مثلث " قطرب في كراسة واحدة، واستعمل فيها الضرورة وما لا يجوز وغلط في بعضه. وله كتاب " الاقتضاب في شرح أدب الكتَّاب " - وقد ذكرته في ترجمة عبد الله بن قتيبة - وشرح " سقط الزند "لأبي العلاء المعري شرحاً استوفى فيه المقاصد، وهو أجود من شرح أبي العلاء صاحب الديوان الذي سماه " ضوء السقط "، وله كتاب في الحروف الخمسة، وهي: السين والصاد والضاد والطاء والذال، جمع فيه كل غريب، وله كتاب " الحلل في شرح أبيات الجمل " و" الخلل في أغاليط الجمل " أيضاً، وكتاب " التنبيه على الأسباب الموجبة لإختلاف الأمة " وكتاب " شرح الموطأ "، وسمعت أن له شرح ديوان المتنبي، ولم أقف عليه، وقيل أنه لم يخرج من المغرب، وبالجملة فكل شيء يتكلم فيه فهو في غاية الجودة، وله نظم حسن، فمن ذلك قوله:

أخو العلم حيٌّ خالـدٌ بـعـد مـوتـه

 

وأوصاله تـحـت الـتـراب رمـيم

وذو الجهل ميت وهو ماشٍ على الثرى

 

يظـن مـن الأحـياء وهـو عـديم

 

وله في طول الليل:

ترى ليلنا شابت نواصـيه كـبـرة

 

كما شبت أم في الجو روض بهار

كأن الليالي السبع في الجو جمعت

 

ولا فصل فيما بينهـا لـنـهـار

 

وله من أول قصيد يمدح بها المستعين بن هود:

هم سلبوني حسن صبري إذ بـانـوا

 

بأقمار أطواق مطالـعـهـا بـانُ

لئن غادروني باللوى إن مهجـتـي

 

مسايرةٌ أظعانهم حيثـمـا كـانـوا

سقى عهدهم بالخيف عهد غـمـائم

 

ينازعها مزنٌ من الدمـع هـتـان

أأحبابنا هل ذلك الـعـهـد راجـعٌ

 

وهل لي عنكم أخر الدهر سلـوان

ولي مقلةٌ عبرى وبين جوانـحـي

 

فؤاد إلى لقياكم الـدهـر حـنـان

تنكرت الدنيا لنا بـعـد بـعـدكـم

 

وحلت بنا من معضل الخطب ألوان

 

ومن مديحها:

رحلنا سوام الحمد عنها لغيرهـا

 

فلا ماؤها صدا ولا النبت سعدان

إلى ملك حاباه بالحسن يوسف

 

وشاد له البيت الرفيع سليمان

من النفر الشم الذين أكفـهـم

 

غيوث ولكن الخواطر نيران

وهي طويلة ونقتصر منها على هذا القدر.

ومولده في سنة أربع وأربعين وأربعمائة بمدينة بطليوس وتوفي في منتصف رجب سنة إحدى وعشرين وخمسمائة بمدينة بلنسية، رحمه الله تعالى.

والسيد: بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها دال مهملة، وهو من جملة أسماء الذئب سمي الرجل به.

والبطليوسي: بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة وسكون اللام وفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الواو وبعدها سين مهملة. وبلنسية: بفتح الباء الموحدة واللام وسكون النون وكسر السين المهملة وفتح الياء المثناة من تحتها وبعدها هاء ساكنة، هاتان المدينتان بجزيرة الأندلس خرج منهما جماعة من العلماء.