ابن صارة الشنتريني

أبو محمد عبد الله بن محمد بن صارة البكري الأندلسي الشنتريني الشاعر المشهور؛كان شاعراً ماهراً ناظماً ناثراً، إلا أنه كان قليل الحظ إلا من الحرمان، لم يسعه مكان، ولا اشتمل عليه سلطان، ذكره صاحب "قلائد العقيان "، وأثنى عليه ابن بسام في " الذخيرة " وقال: إنه تتبع المحقرات، وبعد جهد ارتقى إلى كتابة بعض الولاة، فلما كان من خلع الملوك ما كان أوى إلى إشبيلية أوحش حالاً من الليل، وأكثر انفراداً من سُهيل، وتبلّغ بالوراقة وله منها جانب، وبها بصر ثاقب، فانتحلها على كساد سوقها، وخاوّ طريقها، وفيها يقول:

أما الوراقةُ فهي أيكةُ حرفةٍ

 

أوراقها وثمارها الحرمـانُ

شبَّهت صاحبها بصاحب إبرةٍ

 

تكسو العراة وجسمها عريانُ

 

وله:

ومعذّرٍ رقت حواشي حسنـه

 

فقلوبنا وجداً علـيه رقـاقُ

لم يكسو عارضه السوادُ وإنما

 

نفضت عليه سوادها الأحداقُ

 

وله في غلام أزرق العين:

ومهفهفٍ أبصرت في أطواقـه

 

قمراً بآفاق المحاسـن يشـرقُ

تقضي على المهجات منه صعدةٌ

 

متألقٌ فـيهـا سـنـانٌ أزرقُ

 

وهذا كقول السلامي:

أعانق مـن قـده صـعـدةً

 

ترى اللخط منها مكان السنانِ

 

ومن ها هنا أخذ النبيه المصري قوله:

أسمر كالرمح لـه مـقـلةٌ

 

لو لم تكن كحلاء كانت سنان

 

وأورد له صاحب كتاب "الحديقة":

أسنى ليالي الدهر عني لـيلةٌ

 

لم أخل فيها الكأس من إعمال

فرّقت فيها بين جفني والكرى

 

وجمعت بين القرط والخلخال

وقال غيره: هذان البيتين لصالح الهزيل الإشبيلي، والله أعلم.

وله في الزهد:  

يا من يصيخ إلى داعي السفاه وقـد

 

نادى به الناعيان: الشَّيب والكـبـر

إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ثـوى

 

في رأسك الواعيان: السمع والبصر

ليس الأصم ولا الأعلى سوى رجـلٍ

 

لم يهده الهاديان: الـعـين والأثـر

لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك ال

 

أعلى ولا النيران: الشمس والقمـر

ليرحلن عن الـدنـيا وإن كـرهـا

 

فراقها الثاويان: البدو والحـضـر

 

وله:

وصاحب لي كداء البطن صحبته

 

يودني كوداد الذئب للـراعـي

يثني عليَّ جزاه الله صـالـحةً

 

ثناء هندٍ على روح بن زنبـاع

 

قوله " ثناء هند على روح بن زنباع ": هذه هند بنت النعمان ابن بشير الأنصاري رضي الله عنه. وكان روح بن زنباع الجذامي صاحب عبد الملك بن مروان قد تزوَّجها وكانت تكرهه، وفيه تقول:

وهل هند إلا مهـرةٌ عـربـيةٌ

 

سليلة أفراسٍ تحلَّلـهـا بـغـلُ

فإن نتجت مهراً كريماً فبالحرى

 

وإن يك إقرافٌ فما أنجب الفحلُ

ويروى " فمن قبل الفحل " وهو إقواء؛ ويروى هذان البيتان لأختها حميدة بنت النعمان، وإلإقراف: أن تكون الأم عربية والأب ليس كذلك، والهجنة خلاف ذلك بأن يكون الأب عربياً والأم خلاف ذلك.


وله ديوان شعر أكثره جيد، وكانت وفاته سنة سبع عشرة وخمسمائة بمدينة المرية من جزيرة الأندلس وقد تقدم ذكرها.

ويقال في اسم جده: صارة وسارة، بالصاد والسين المهملتين.

والشَّنتريني: بفتح الشين المعجمة وسكون النون وفتح التاء المثناة من فوقها وكسر الراء وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون، وهذه النسبة إلى شنترين، وهي بلدة في غرب جزيرة الأندلس أيضاً، رحمه الله تعالى.