ابن بري

أبو محمد عبد الله بن أبي الوحش بري بن عبد الجبار بن بري المقدسي الأصل المصري الإمام المشهور في علم النحو واللغة والرواية والدراية؛ كان علاّمة عصره وحافظ وقته ونادرة دهره. أخذ علم العربية عن أبي بكر محمد ابن عبد الملك الشنتريني النحوي وأبي طالب عبد الجبار بن محمد بن علي المعافري القرطبي وغيرهما، وسمع الحديث على أبي صادق المديني وأبي عبد الله الرازي وغيرهما، واطلع على أكثر كلام العرب، وله على كتاب " الصحاح " للجوهري حواشٍ فائقة أتى فيها بالغرائب، واستدرك عليه فيها مواضع كثيرة، وهي دالة على سعة علمه وغزارة مادته وعظم اطلاعه، وصحبه خلق كثير اشتغلوا عليه وانتفعوا به، ومن جملة من أخذ عنه أبو موسى الجزولي صاحب المقدمة في النحو - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى- وذكره في مقدمته ونقل عنه في آخرها. وكان عارفاً بكتاب سيبويه وعلله، وكان إليه التصفح في ديوان الإنشاء، لا يصدر كتاب عن الدولة إلى ملك من ملوك النواحي إلا بعد أن يتصفحه ويصلح ما لعله فيه من خلل خفي، وهذه كانت وظيفة ابن بابشاذ - وقد ذكرت ذلك في ترجمته في حرف الطاء -.

ولقيت بمصر جماعة من أصحابه وأخذت عنهم رواية وإجازة؛ ويحكى أنه كانت فيه غفلة، ولا يتكلف في كلامه، ولا يتقيد بالإعراب بل يسترسل في حديثه كيفما اتفق، حتى قال يوماً لبعض تلامذته ممن يشتغل عليه بالنحو: اشتر لي قليل هندبا بعروقو، فقال له التلميذ: هندبا بعروقه، فعز عليه كلامه وقال له: لا تأخذه إلا بعروقو، وإن لم يكن بعروقو فما أريده. وكانت له ألفاظ من هذا الجنس لا يكترث بما يقوله ولا يتوقف على إعرابها.

ورأيت له حواشي على " درة الغواص في أوهام الخواص " للحريري، وله جزء لطيف في أغاليط الفقهاء، وله الرد على أبي محمد ابن الخشاب - المذكور في هذا الحرف - في الكتاب الذي بيَّن فيه غلط ابن الحريري في المقامات، وانتصر لابن الحريري وما أقصر فيما عمله.

وكانت ولادته بمصر في الخامس من رجب سنة تسع وتسعين وأربعمائة. وتوفي بمصر ليلة السبت السابعة والعشرين من شوال سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

وبرِّي: بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء المكسورة وبعدها ياء، وهو اسمٌ علمٌ يشبه النسبة.