ابن الخشاب

أبو محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد المعروف بابن الخشاب البغدادي؛ العالم المشهور في الأدب والنحو والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب وحظ الكتاب العزيز بالقراءات الكثيرة، وكان متضلعاً من العلوم وله فيها اليد الطولى، وكان خطه في نهاية الحسن، ذكره العماد الأصبهاني في " الخريدة " وعدد فضائله ومحاسنه، ثم قال: وكان قليل الشعر، ومن شعره في الشمعة:

صفراء من غير سقام بها

 

كيف وكانت أمها الشافيه

عاريةٌ باطنها مكـتـسٍ

 

فاعجب بها عاريةً كاسيه

 

وذكر له لغزاً في كتاب وهو:

وذي أوجهٍ لكنـه غـير بـائح

 

بسرٍ وذو الوجهين للسر مظهر

تناجيك بالأسرار أسرار وجهه

 

فتسمعها ما دمـت تـنـظـر

 

وهذا المعنى مأخوذ من قول المتنبي في ابن العميد:

فدعاك حدسك الرئيس وأمسكوا

 

ودعاك خالقك الرئيس الأكبرا

خلفت صفاتك في العيون كلامه

 

كالخط يملأ مسمعي من أبصر

وشرح كتاب " الجمل " لعبد القاهر الجرجاني وسماه "المرتجل في شرح الجمل " وترك أبواباً من وسط الكتاب ما تكلم عليها، وشرح " اللمع " لابن جني ولم يكملها، وكانت فيه بذاذة وقلة اكتراث بالمأكل والملبس. وذكر العماد أنه كانت بينهما صحبة ومكاتبات، وقال: لما مات كنت بالشام فرأيته ليلة في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟قال: خيراً، فقلت: فهل يرحم الله الأدباء؟فقال: نعم، قلت: وإن كانوا مقصرين؟ فقال: يجري عتاب كثير، ثم يكون النعيم. ومولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. قلت: هكذا وجدت تاريخ ولادته، وعندي في ذلك شيء، لأني وقع لي جزء فيه تعاليق وفوائد علقها بخطه، وكتب على ظهره ما صورته مختصراً: سألت أبا الفضل محمد بن ناصر عن مولد شيخنا أبي الكرم المبارك بن فاخر المعروف بابن الدباس النحوي فقال: سنة ثلاثين وأربعمائة، وأظنه خمن، لأنه توفي سنة خمس وخمسمائة وسنه فيما أرى أعلى من ذلك فسألت أبا المحاسن ابن أبي نصر بن الدباس الناسخ عن مولد عمه أبي الكرم المذكور؛ فقال: لي قبل وفاته بسنة: أنا في سنتي هذه بين فمي سبعين، وأنني لأخشى من ذلك، يعني لي سبع وسبعون، وهذا يقتضي أن يكون مولده سنة ست وعشرين.

فمضمون هذه الحكاية أن وفاة ابن الدباس محققة في سنة خمس وخمسمائة وهو أحد مشايخ ابن الخشاب المذكور، وممن أكثر الرواية عنه، ويبعد أن يكون قد حصل له هذا التحصيل واستفاد منه، وسنه حينئذ لم يبلغ الحلم فإنه على ما ذكرناه من تاريخ وفاة المذكور ومولد ابن الخشاب المذكور يكون تقدير عمره عند وفاة شيخه أبي الكرم ثلاث عشرة سنة، وفي مثل هذا السن يبعد اشتغاله وجمعه، ولاشك أن خط ابن الخشاب يعتمد عليه، فعلى هذا التقدير يكون مولده قبل هذا التاريخ الذي ذكرناه، ويحتمل أن يكون التاريخ صحيحاً، وتكون روايته عن شيخه المذكور بمجرد الروايه دون الاشتغال والاستفاده ومثل ذلك يكون كثيراً، والله أعلم.

وكانت وفاته عشية الجمعة ثالث شهر رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة ببغداد، رحمه الله تعالى، بباب الأزج بدار أبي القاسم ابن الفراء. ودفن بمقبرة أحمد بباب حربٍ، وصلي عليه بجامع السلطان يوم السبت.