ابن الرداد المؤذن

أبو الرداد عبد الله بن عبد السلام بن عبد الله بن الرداد المؤذن البصري، صاحب المقياس بمصر؛ كان رجلاً صالحاً وتولى مقياس النيل الجديد بجزيرة مصر، وجمع إليه جميع النظر في أمره وما يتعلق به في سنة ست وأربعين ومائتين، واستمرت الولاية في ولده إلى الآن. وتوفي في سنة تسع وسبعين ومائتين، وقيل سنة ست وستين ومائتين، والله أعلم.

والردّاد: بفتح الراء وبالدالين المهملتين وتشديد الأولى منهما وبينهما ألف. ذكره القضاعي في " خطط مصر " وذكر قضية الجارية التي كانت تلقى في النيل، وذلك في فصل المقياس.

وهذا المقياس: وضعه أحمد بن محمد الحاسب القرصاني بأمر المتوكل على الله.

-وكان أسامة بن زيد التّنوخي في سنة ست وسبعين للهجرة قد أمر ببناء المقياس في الجزيرة قديماً - وحكي عنه أنه قال: لما أردت أن أكتب على مواضع من المقياس ناظرت يزيد بن عبد الله وسليمان بن وهب والحسن الخادم فيما ينبغي أن يكتب عليه، وأعلمتهم أن أحسن ما يكتب عليه آيات من القرآن، واسم أمير المؤمنين المتوكل على الله واسم الأمير المنتصر، إذ كان العمل له، فاختلفوا في ذلك، وبادر سليمان بن وهب فكتب من غير أن يعلم ويستطلع الرأي في ذلك، فورد كتاب أمير المؤمنين أن يكتب عليه آيات من القرآن وما يشبه أمر المقياس، واسم أمير المؤمنين، فاستخرجت من القرآن آيات لا يمكن أن يكتب على المقياس أحسن ولا أشبه بأمر المقياس منها، وجعلت جميع ما كتبت في الرخام الذي تقدم في البناية في المواضع التي قدرت الكتابة فيها بخط مقوم غليظ على قدر الإصبع ثابت في بدن الرخام مصبغ الحفر باللازورد المشمع يقرأ من بعد، فجعلت أول ما كتبت أربع آيات متساوية المقادير في سطور أربعة في تربيع بناء المقياس على وزن سبع عشرة ذراعاً من العمود.

فكتبت في الجانب الشرقي، وهو المقابل لمدخل المقياس: " بسم الله الرحمن الرحيم، ونزلنا من السماء ماءً مباركاً فأنبتنا به جنّاتِ وحبّ الحصيد " ق: 9 وفي الجانب الشمالي: " وترى الأرض هامدةً، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتّزت وربت وأنبتت من كل زوجِ بهيج " الحج: 5 وعلى الجانب الغربي: " آلم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرّةَ إن الله لطيفٌ خبير " الحج: 63 وعلى الجانب الجنوبي: " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، وهو الولي الحميد " الشورى: 28 فصارت هذه الآيات سطوراً على وجه الماء إذا بلغ سبع عشرة ذراعاً، لأن هذا وسط الزيادة، ثم جعلت في الذراع الثامن عشر في جميع التربيع نطاقاً مثل النطاق الذي جعلته علامة للذراع السادس عشر، وكتبت بإزاء الذراع الثامن عشر سطراً واحداً يحيط بجميع التربيع " بسم الله الرحمن الرحيم، الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم، وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار، وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، وسخر لكم الليل والنهار، وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها، إن الإنسان لظلومٌ كفّار " إبراهيم: 32- 34 " بسم الله الرحمن الرحيم، مقياس يمنٍ وسعادةٍ ونعمة وسلامة. أمر ببنائه عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين، أطال الله بقاءه وأدام عزه وتأييده، على يدي أحمد بن محمد الحاسب، سنة سبع وأربعين ومائتين. وجعلت ما فوق ذلك من الحيطان التي بأعلى البناء منقوشاً كله، محفوراً مصبوغاً باللازورد المشمع، وعمدت إلى ما جاوز من العمود تسع عشرة ذراعاً، والرأس المنصوب عليه، والعارضة اللبخ الممسكة له، فنقشت ذلك كله بالذهب واللازورد، وكتبت على العارضة آية الكرسي إلى آخرها وكتبت على حائط الزقاق المقابل للنيل، فوق باب مدخل المقياس حيث يقرؤه السابلة سطراً إلى الرخام من أوله إلى آخره، وهو: " بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين، أمر عبد الله جعفر الإمام المتوكل على الله أمير المؤمنين ببناء هذا المقياس الهاشمي، لتعرف به زيادة النيل ونقصانه، وأطال الله بقاء أمير المؤمنين، وأدام له العز والتمكين والظفر على الأعداء، وتتابع الإحسان والنعماء، وزاده في الخير رغبة، وبالرعية رأفة، وكتبه أحمد بن محمد الحاسب في رجب سنة سبع وأربعين ومائتين ".

وكتبت سطرين في رخام عن جنبتي الباب: أحدهما " بسم الله ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً "، والآخر " بسم الله، بلغ الماء في السنة التي بني فيها هذا المقياس المتوكلي المبارك سبع عشرة ذراعاً وثمانية عشر إصبعاً ".

واتخذت مثال سبع من رخام ركبته في وجه حائط فويقة القناة المطل على النيل، على المقدار الذي إذا بلغ الماء ست عشرة ذراعاً دخل الماء في فيه، وكتبت فوق ذلك في أعلى الحائط: " أولم يروا أنّا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به ذرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم، أفلا يبصرون " السجدة: 27 " كتبه أحمد بن محمد الحاسب في جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين ومائتين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما.

والذراع في المقياس ثمانية وعشرون إصبعاً إلى أن ينتهي إلى اثنتي عشرة ذراعاً، وبعد ذلك يصير اعتباره أربعة وعشرين إصبعاً ".